للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

في العقائد أو الأخلاق نفوراً جعل الخارجين على الدين، والمفكرين (١) يخفون رؤوسهم في معظم الأحوال، وينزوون في البيوت أو يلجأون إلى الغموض في الأقوال. وكمت أفواه الفلاسفة، أو اضطروا إلى الجهر بآراء تقبلها جمهرة الناس وتحترمها. وكان الموت جزاء من يرتد عن دين الإسلام. نعم إن خلفاء قرطبة أنفسهم كانوا رجالاً ذوي آراء حرة، ولكنهم كانوا يظنون أن الخلفاء الفاطميين في مصر يتخذون العلماء المتنقلين عيوناً عليهم، ولهذا كانوا ينظمون في بعض الأحيان إلى الفقهاء في التضييق على التفكير الحر المستقل. لكن الحكام الأندلسيين قد أطلقوا لغير المسلمين جميعهم على اختلاف أديانهم حرية العبادة. وإذا كان اليهود الذين اضطهدهم القوط الغربيون أشد الاضطهاد قد ساعدوا المسلمين في فتوحهم، فقد ظلوا يعيشون من ذلك الوقت إلى القرن الثاني عشر مع المسلمين الفاتحين في أمن ووئام، وأثروا، وبرعوا في العلوم والمعارف، وارتقوا في بعض الأحيان إلى مناصب عالية في الحكومة. أما المسيحيون فكانت تعترضهم في سبيل الرقي في مناصب الدولة عقبات أكثر مما يعترض اليهود، ولكنهم رغم هذه العقبات ظفروا بنجاح عظيم. وكان المسيحيون الذكور، كالذكور في سائر الأديان، يرغمون على الختان بوصفه وسيلة من وسائل الوقاية الصحية القومية، لكنهم فيما عدا هذا كانوا يحكمون بمقتضى شريعتهم القوطية الرومانية ينفذها فيهم قضاة يختارونهم هم أنفسهم (٥٠). وكان الذكور الأحرار القادرون من المسيحيين يؤدون ضريبة الفرضة (٢) نظير إعفائهم من الخدمة العسكرية؛ وكان مقدارها في العادة ثمانية وأربعين درهماً (٢٤ ريالاً أمريكياً) للغني، وأربعة وعشرون للمتوسط الثراء، واثنا عشر درهم لمن يعمل بيده (٥١). وكان المسلمون


(١) لا ندري كيف يتفق هذا القول مع ظهور كبار الفلاسفة أمثال ابن رشد في بلاد الأندلس نفسها. ولسنا نشك في أن المؤلف قد خانه التوفيق في هذا الحكم. (المترجم)
(٢) في الأصل الإنجليزي ضريبة الأراضي الزراعية وهو بلا شك سهو من المؤلف. (المترجم)