والمسيحيون يتزاوجون فيما بينهم بكامل حريتهم، ويشتركون من حين إلى حين بالاحتفال بأحد الأعياد المسيحية أو الإسلامية المقدسة، ويستخدمون المبنى الواحد كنسيةً ومسجداً (٥٢). وجرى بعض المسيحيين على عادة أهل البلاد فاصطفوا "الحريم" أو مارسوا اللواط (٥٣)؛ وكان المسيحيون من رجال الدين وغير رجال الدين يفدون بكامل حريتهم وهم آمنون من جميع أنحاء أوربا المسيحية إلى قرطبة، أو طليطلة، أو إشبيلية طلاباً للعلم، أو زائرين، أو مسافرين. وقد شكا أحد المسيحيين من نتيجة هذا التسامح بعبارات تذكرنا بشكاية العبرانيين القدماء من اصطباغ اليهود بالصبغة اليونانية فيقول:
"إن إخواني المسيحيين يعجبون بقصائد العرب وقصصهم، وهم لا يدرسون مؤلفات فقهاء المسلمين وفلاسفتهم ليردوا عليها ويكذبوها، بل ليتعلموا الأساليب العربية الصحيحة الأنيقة … واحسرتاه! إن الشبان المسيحيين الذين اشتهروا بمواهبهم العقلية لا يعرفون علماً ولا أدباً ولا لغة غير علوم العرب آدابهم ولغتهم؛ فهم يقبلون في نهم على دراسة كتب العرب، ويملئون بها مكتباتهم، وينفقون في سبيل جمعها أموالاً طائلة، وهم أينما كانوا يتغنون بمديح علوم العرب (٥٤) ". وفي وسعنا أن نحكم عل ما كان للدين الإسلامي من جاذبية للمسيحيين من رسالة كتبت في عام ١٣١١ م تقدر عدد سكان غرناطة المسلمين في ذلك الوقت بمائتي ألف، كلهم ما عدا ٥٠٠ منهم من أبناء المسيحيين الذين اعتنقوا الإسلام (٥٥). وكثيراً ما كان المسيحيون يفضلون حكم المسلمين على حكم المسيحيين (٥٦).
لكن هذه الصورة الجميلة كان لها وجه آخر أخذ يزداد وقتاً ما على مر الأيام. ذلك أن الكنيسة المسيحية لم تكن حرة، وإن كان المسيحيون أنفسهم أحراراً .. فقد صودر معظم أملاكها العقارية بمقتضى مرسوم يشمل جميع من يقومون بعمل إيجابي في مقاومة الفاتحين؛ كذلك دمرت معظم الكنائس وحرم بناء كنائس جديدة. وورث الأمراء المسلمون من ملوك القوط حق تنصيب