الأساقفة وعزلهم، وحق دعوة المجالس الكنسية نفسها إلى الانعقاد. وكان الأمراء يبيعون مناصب الأساقفة لمن يؤدون فيها أغلى الأثمان. ولو كان من يسند إليه المنصب من الفجرة أو المتشككين في الدين، وكان القساوسة المسيحيون يتعرضون أحياناً للشتائم من المسلمين في الشوارع، وكان فقهاء المسلمين يعلقون بكامل حريتهم على ما يبدو لهم أنه سخافات أو أباطيل في الدين المسيحي، ولكن المسيحيون الذين يردون عليهم بمثل أقوالهم كانوا يتعرضون للخطر.
وفي هذه العلاقات المتوترة قد تؤدي أية حادثة صغيرة إلى مأساة شديدة. مثال ذلك أن فتاة حسناء من فتيات قرطبة، معروفة لدينا باسم فلورا Flora فحسب ولدت لأبوين من دينين مختلفين، فلما توفي أبوها المسلم اعتزمت أن تعتنق الدين المسيحي، وفرت من بيت أخيها إلى بيت أحد المسيحيين، ولكن أخاها قبض عليها وضربها، وأصرت الفتاة على الارتداد عن دين أبيها، وسيقت إلى أحد المحاكم الإسلامية. وأمر القاضي بضربها وإن كان في مقدوره أن يحكم بإعدامها. ومع هذا فقد فرت مرة أخرى إلى بيت مسيحي حيث التقت بقس شاب يدعى أولوجيوس Eulogius أحبها حباً روحياً عارماً. وبينما كانت الفتاة مختبئة في أحد الأديرة، إذ قتل قس آخر يدعى برفكتوس Pcrfectos لأنه تكلم في حق النبي محمد أمام بعض المسلمين؛ وقد وعدوه بألا يشوا به، ولكن أقواله بلغت من العنف درجة روع لها مستمعوه فأبلغوا عنه ولاة الأمور. وكان في وسع بروفكتوس أن ينجو من العقاب إذا أنكر ما قال، ولكنه بدل أن يفعل هذا كرر أمام القاضي قوله إن محمداً كان "خادماً للشيطان"، فما كان من القاضي إلا أن حكم عليه بالسجن بضعة أشهر لعل هذا يصلح حاله؛ ولكنه لم ينصلح، وتمادى في أقواله فحكم عليه بالإعدام. وظل وهو يساق إلى المشنقة