للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يسب النبي، فيقول: إنه "مدعٍ، زان، ولدته جهنم" (١)، وابتهج المسلمون بمقتله، واحتفل المسيحيون بدفنه احتفالاً مهيباً، وعدوه من القديسين (٨٥٠) (٢).

وأشعل مقتله نيران الحقد في قلوب الطائفتين. فتألفت جماعة من المتعصبين المسيحيين بزعامة يولجيوس وجعلت هدفها سب النبي علناً، والترحيب بالقتل اعتقداً منها بأن مصير من يقتل من أفرادها هو الجنة، وذهب راهب قرطبي يدعى إسحق على القاضي وعرض عليه رغبته في اعتناق الإسلام؛ وسر القاضي من هذا وبدأ يشرح له مبادئ الدين الإسلامي، ولكن الراهب قطع عليه شرحه وقال "إن نبيكم قد كذب عليكم وخدعكم؛ ألا لعنة الله عليه لأنه قد جر معه هذا العدد العظيم من البائسين إلى الجحيم"! فزجره القاضي وسأله هل هو ثمل؟ فرد عليه الراهب بقوله: "إني مالك لقواي فاحكم عليَّ بالإعدام" فأمر القاضي بسجنه ولكنه استأذن عبد الرحمن الثاني بأن يخرجه على أن بعقله خبالاً، غير أن موكب جنازة برفكتوس وما أحاط به من روعة وفخامة كان قد أثار حفيظة الخليفة فأمر بإعدام الراهب. وبعد يومين من هذا الحادث جرؤ جندي من الفرنجة في حرس القصر على سب النبي علناً؛ فكان جزاؤه الإعدام. وفي يوم الأحد التالي وقف ستة من الرهبان أمام القاضي وسبوا النبي ولم يطلبوا لأنفسهم الإعدام فحسب بل طلبوا فوق ذلك أن يعذبوا أشد التعذيب، فحكم عليهم بالإعدام. وحذا حذوهم قس، وشماس، وراهب. وابتهج لذلك أفراد الجماعة


(١) لقد أثبتنا هذه الألفاظ وما قبلها كما هي رغم ما فيها من تطاول على مقام أشرف الأنبياء لكي يقدر القارئ شناعة الجرم الذي ارتكبه قائلها. (المترجم)
(٢) وليس أدل على روح التسامح التي كانت تسود ذلك العصر من سماح المسلمين لمواطنيهم المسيحيين بالاحتفال بدفن هذا القس الذي سب نبيهم بأقبح الألفاظ احتفالاً فخماً مهيباً كما يقول مؤلف الكتاب. (المترجم)