للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولكن كثيرين من المسيحيين-من رجال الدين وغير رجال الدين-لم يرضوا على هذا التسابق للموت، وقالوا لتلك الفئة المتحمسة "إن السلطان يسمح لنا بأن نمارس شعائر ديننا، ولا يضطهدنا، فما الداعي إذن إلى هذا التعصب الشديد؟ " (٥٩) ودعا عبد الرحمن إلى عقد مجلس من الأساقفة المسيحيين فأصدر قراراً بلوم طائفة المتحمسين المتعصبين، وهددهم بأن يتخذ ضدهم إجراءات عنيفة إذا لم ينقطعوا عن إثارة الفتن، فما كان من يولجيوس إلا أن أخذ يندد بأعضاء المجلس ويصفهم بالجبن.

وزادت هذه الحركة من تحمس فلورا، فغادرت الدير الذي كانت تقيم فيه وجاءت هي وفتاة أخرى تدعى مارية إلى القاضي وأخذتا تطعنان على النبي .... وتقولان: إن الإسلام من "اختراع الشيطان" فأمر القاضي بسجنها. وحملها بعض أصدقائهما على أن يرجعا عن أقوالهما، ولكن يولجيوس تغلب عليهما وأقنعهما بأن يرضيا بالقتل، فقتلا. وشجع هذا يولجيوس فأخذ يطلب بضحايا جدد، فأقبل على المحكمة قساوسة، ورهبان، ونساء يسبون النبي ويطلبون أن يعدموا (١) (٨٥٢)، وأعدم يولجيوس نفسه بعد سبع سنين من ذلك الوقت، وخمدت الفتنة بعد سبع سنين من موتهِ فلم تسمع بين عامي ٨٥٩، ٩٨٣ إلا حادثين من حوادث السب والقتل، ولم نسمع عن حوادث أخرى من هذا النوع في أثناء الحكم الإسلامي في أسبانيا (٦٠).


(١) ليس أدل على تسامح الحكام المسلمين من سلوكهم في أثناء هذه الحركة، وعدم التجائهم إلى قمعها دفعة واحدة، واكتفائهم بالحكم على من يتقدمون إلى القضاة ليطعنوا في الدين ويسبوا الرسول. ترى ماذا يكون موقف أية حكومة من الحكومات الغربية في هذه الأيام لو تألفت مثل هذه الجماعة لهذا الغرض؟ إن أقل ما كانت تفعله بلا ريب هو أن تقبض على جميع أفراد الجمعية وتزجهم في السجن وتستأصل الفتنة من جذورها. وخليق بنا أن نشير إلى ما أتبعه الأسبانيون أنفسهم مع المسلمين بعد أن طرد العرب من أسبانيا وإلى ما لقيه المسلمين من قسوة وتعذيب همجي وعمل متواصل لمحو جميع الآثار الإسلامية في العلوم والفنون والآداب.