أما بين المسلمين أنفسهم فقد ضعفت الحماسة الدينية بازدياد الثراء، وظهرت في القرن الحادي عشر الميلادي موجة من التشكك رغم ما في الشريعة الإسلامية من شدة على المتشككين؛ ولم يقتصر الأمر على دخول مبادئ المعتزلة التي لا تناقض عقائد أهل السنة مناقضة شديدة، بل قامت طائفة أخرى تنادي بأن الأديان كلها باطلة، وتسخر بالأحكام الدينية، والصلاة، والصوم، والحج، والزكاة. ونشأت طائفة أخرى غير هذه وتلك سمت نفسها أتباع الدين العالمي، وأخذت تندد بكل العقائد، وتنادي بدين يقوم على المبادئ الأخلاقية دون غيرها. وكان من بين هؤلاء جماعة من اللاأدريين يقولون إن العقائد الدينية قد تكون صحيحة وقد لا تكون، فلسنا نؤكدها أو ننكرها، وكل ما في الأمر أننا لا نعرف حقيقتها، ولكننا لا تسمح لنا ضمائرنا بأن نقبل عقائد لا نستطيع إثبات صحتها (٦١). وأخذ رجال الدين يقاومون هذه العقائد مقاومة قوية؛ ولما أم حلت المصائب بالمسلمين في أسبانيا في القرن الحادي عشر أخذوا يقولون إن سببها هو هذا الضلال، ولما انتعش المسلمون بعض الوقت في الأندلس مرة أخرى، كان انتعاشهم في عهد حكام أقاموا سلطانهم كما كان من قبل على قواعد الدين، وقصروا الجدل القائم بين الدين والفلسفة على ما كان منه في بلاطهم وما يبتغون به تسليتهم.
ولكن القباب المتلألئة والمآذن المذهبة كانت على الرغم من الفلاسفة زينة المدائن الكبيرة والصغيرة التي جعلت بلاد الأندلس في القرن العاشر الميلادي أعظم البلاد المتحضرة في أوربا، بل إنها كانت في أغلب الظن أعظم البلاد المتحضرة في العالم كله في ذلك الوقت. لقد كانت قرطبة في أيام المنصور من أعظم مدن العالم حضارة، ولا يفضلها في هذا إلا بغداد والقسطنطينية. وكان فيها كما يقول المقري ٢٠٠. ٠٧٧ منزلاً، و ٦٠. ٣٠٠ قصر، ٦٠٠ مسجد، و ٧٠٠ حمام (٦٢) عام وإن كانت هذه الإحصاءات لا تخلو من قليل من المغالاة الشرقية. وكان زائرو