الدولة الرومانية في أيامهِ، وكان سبباً في ضعف خلفائه ضعفاً خارت له فيما بعد قوة المماليك.
وبعد فإن سلاطين المماليك لا يقعون في نفوسنا موقع سلاطين السلاجقة، أو الأيوبيين. نعم إنهم خلفوا منشئات عامة عظمية، ولكن معظم هذه الأعمال كان يقوم بها فلاحون أو عمال فقراء يستغلون إلى أقصى ما تحتمله الطاقة البشرية، وتستطيعه حكومة لا تسأل قط عن أعمالها أمام الأمة أو أمام طبقة الأعيان؛ وكان الاغتيال هو الطريقة الوحيدة للتخلص من السلاطين، ولكن هؤلاء الحكام الغلاظ الأكباد كانوا أصحاب ذوق سليم، أسخياء في مناصرة الآداب والفنون، وكان عصر المماليك ألمع العصور الإسلامية في تاريخ العمارة الإسلامية في العصور الوسطى بأجمعها، وكانت القاهرة في عهدهم (١٢٥٠ - ١٣٠٠) أغنى مدن العالم الممتد في غرب نهر السند (١٠)، فكانت أسواقها غاصة بجميع لوازم الحياة وبكثير من كمالياتها، وكان فيها سوق للنخاسة يستطيع الإنسان أن يبتاع منها الرجال والفتيات، وحوانيت صغيرة جدرانها مزدحمة بالسلع المتفاوتة الأثمان، وأزقة غاصة بالناس والدواب، تعلو فيها أصوات البائعين الجائلين وعربات النقل، وقد أنشئت ضيقة عن عمد ليستظل بها المارة، ومتعرجة ليسهل الدفاع عنها، تختفي بيوتها وراء واجهات قوية، وحجراتها مظلمة رطبة وسط وهج الشمس وحرارتها في الشوارع الكثيرة الحركة والجلبة، يتنفس سكانها الهواء من بهو داخلي أو حديقة قريبة، وقد فرشت حجراتها بالأثاث الوثير، والسجف، والطنافس، والتحف الفنية، والمفارش والوسائد المطرزة المزركشة. وكان فيها رجال يمضغون الحشيش ليخدروا حواسهم (١)، ويستجلبوا الأحلام اللذيذة؛
(١) لا نعتقد أن "مضغ الحشيش" كان ظاهرة بارزة في القاهرة جديرة بالتسجيل كما قد يتبادر إلى الذهن من قول المؤلف وإن وجد في القاهرة كما في سائر بلاد العالم من يتعاطون الحشيش وغيره من المخدرات وحسب القارئ أن يطلع على كتاب "اعترافات آكل أفيون إنجليزي" لدكونسي. (المترجم)