كتبهم غير مفهومة، لكن أبا يوسف يعقوب (١١٨٤ - ١١٩٩) استسلم إلى فقهاء الدين، وتخلى عن الفلاسفة، وأمر بحرق جميع كتبهم. ولم يكن ابنه محمد الناصر (١١٩ - ١٢١٤) يعنى بالفلسفة ولا بالدين، وأهمل شؤون الحكم، وانغمس في الملذات، وهزم هزيمة منكرة على أيدي قوات المسيحيين المتحدة في واقعة العقاب (Las Navas de Tolosa) عام ١٢١٢. وانقسمت أسبانيا الخاضعة للموحدين على أثر هذه الهزيمة إلى دويلات مستقلة افتتحها المسيحيون واحدة بعد واحدة-قرطبة في عام ١٢٣٦، وبلنسية في ١٢٣٨، وإشبيلية في عام ١٢٤٨. وارتد المسلمون المغلوبون إلى غرناطة، حيث وقتهم جبال سيارا نفادا أو الحاج الثلجي بعض الوقاية، وحيث ازدهرت حقول الروم، وحدائق الزيتون، وغياض أشجار البرتقال بفضل ما يجري فيها من مياه الأنهار. وتعاقب على عرش غرناطة طائفة من الحكام الجازمين حافظوا على استقلالهم هي والبلدان التابعة لها-شريش، وجيان، والمرية، ومالقة-وصدوا عنها غارات المسيحيين المتكررة، وراجت التجارة وانتعشت الصناعة، وازدهرت الفنون، واشتهر السكان بثيابهم الزاهية وحفلاتهم المرحة، وظلت هذه المملكة الصغيرة قائمة حتى عام ١٤٩٢، وكانت هي البقية الباقية في أوربا من تلك الثقافة التي جعلت بلاد الأندلس قروناً طوالاً من مفاخر بني الإنسان.