الأندلس سرعان ما تأثر المرابطون المنتصرون، جنود إفريقية المتقشفون الأولون، بحياة الترف التي كان يحياها أمراء قرطبة وإشبيلية الذين ثلوا هم عروشهم، وحل لين السلم محل التربية العسكرية الصارمة، وتخلت الشجاعة عن مكانها للمال حتى أصبح هؤلاء الشجعان مقياس السمو والعمة والهدف المبتغى، واكتسبت النساء برقتهن ومفاتنهن سلطاناً لا يدانيه إلا سلطان رجال الدين الذين يمنون الناس بمثل هذه المتع في الجنة. وفسد الموظفون، ولم يلبث دولاب الإدارة الذي بلغ درجة عالية من الكفاية في أيام يوسف بن تاشفين (١٠٩٠ - ١١٠٦)، أن اختل في أيام ابنه على (١١٠٦ - ١١٤٣). واضطرب حبل الأمن، وثرت السرقات كلما ازاد إهمال الحكومة لواجباتها، فأصبحت الطرق غير آمنة، وكسدت التجارة، ونقصت الثروة. واغتنم ملوك أسبانيا الكاثوليكية هذه الفرصة فأغاروا على قرطبة، وإشبيلية وغيرها من مدائن الأندلس الإسلامية، وولى المسلمون وجههم مرة أخرى نحو إفريقية بها لتنجيهم من محنتهم.
وكانت ثورة دينية قد شبت في تلك البلاد في عام ١١٢١، ورفعت إلى العرش طائفة أخرى ذات قوة وبأس شديد. فقد قام عبد الله بن تومرت يندد بعقائد السنيين الذين يعزون إلى الله صفات الآدميين، وبآراء الفلاسفة الذين يدعون إلى إرجاع كل شيء إلى العقل وأخذ يطالب بالعودة إلى البساطة في العيش في العقيدة الدينية، ثم أعلن في آخر الأمر أنه هو المهدي المنتظر والمنقذ الذي يقول به الشيعة. والتفت حوله قبائل البربر الهمج سكان جبال أطلس، ونظموا أنفسهم تنظيماً قوياً وسموا بالموحدين؛ وهزموا حكام مراكش المرابطين، ولم يجدوا صعوبة في أن يفعلوا مثل هذا الفعل في الأندلس. وعاد النظام والرخاء إلى الأندلس ومراكش في عهد عبد المؤمن (١١٤٥ - ١١٦٣) وأبي يعقوب يوسف (١١٦٣ - ١١٨٤) من أمراء الموحدين، وانتعشت الآداب والعلوم مرة أخرى، وبسط الأميران حمايتهما على الفلاسفة على أن يكون مفهوماً لديهم أن يجعلوا