والاضمحلال، فقد كان يبدو للفرس من مسرات الحياة التي لا غنى عنها، ولم يبلغ الخزف على اختلاف أشكاله ما بلغه في ذلك الوقت من تنوع في الشكل وجمال (١٥). ذلك أن الفرس أتقنوا ما ورثوه عن المصريين، وأعل الجزيرة، والساسانيين، وأهل الشام من فنون الزخارف البراقة، والتلوين المفرد، أو المتعدد الألوان فوق السطح المزجج أو تحته، وأعمال الميناء، والقرميد، والقاشاني، والزجاج، حتى بلغوا بذلك كله درجة الكمال. وتأثرت هذه الأعمال كلها بالفن الصيني، وخاصة ما كان منها متصلاً يتلوين الصور، ولكن ذلك لم يفرض سلطانه على الطراز الفارسي، وقد استورد الخزف وقتئذ من بلاد الصين، ولكن ندرة الكاولين في الشرق الأدنى والأوسط لم تشجع المسلمين على صنع هذه الآنية النصف الشفافة. إلا أن الفخار الفارسي مع هذا بقي طوال القرون الثاني عشر، والثالث عشر، والرابع عشر، لا يفوقه فخار آخر في العالم كله-فقد كان في تنوع أشكاله، ودقة تناسبه، وبريق زخارفه، ودقة حزونه، ورشاقته يسمو على كل ما عداه في العالم كله (١٩).
ولم تكن الفنون الصغرى في بلاد الإسلام مما تنطبق عليها هذه التسمية التي تبخسها حقها. فقد كانت حلب ودمشق في هذا العصر تصنعان العجائب من الآنية الزجاجية الهشة، والمزخرفة بالميناء، وصنعت القاهرة للمساجد والقصور قناديل من الزجاج المزخرف بالميناء أيضاً يبذل هواة التحف الفنية في هذه الأيام أقصى جهودهم للحصول عليها (١). وكانت كنوز الفاطميين التي فرقها صلاح الدين تحتوي على آلاف من الزهريات المصنوعة من البلور والجزع البقراني، بلغ صانعوها من المهارة الفنية ما يعجز عنه الفنانون في هذه الأيام، وبلغ فن الزخارف العدنية الآشوري القديم في مصر والشام درجة من الإتقان لم يسبق لها مثيل،
(١) وحسبنا أن نذكر أن آل رثتشيلد ابتاعوا إبريقاً عربياً صغيراً من الزجاج الزخرف بالميناء بمبلغ ١٣. ٦٥٠ ريالاً أمريكياً.