المسجد في قرون عدة، ويبدو عليها طابع تل القرون، فهو من هذه الناحية شبيه بكنيسة نتردام Notre Dam. وقد بدئ بتشييده في عام ١٠٨٨ ووسع مراراً عدة، ولم يتخذ شكله الحاضر إلا في عام ١٦١٢، غير أن كبرى قبابه المشيدة من الآجر تحمل نقوش خاتم نظام الملك وعام ١٠٨٨. ومدخل المسجد وأبواب المحراب-ومنها واحد يبلغ ارتفاعه ثمانين قدماً-مزينة بالقيشاني والفسيفساء الذي لا يكاد يوجد له نظير في تاريخ ذلك الفن بأكمله. وأبهاؤه الداخلية ذات قباب مضلعة وعقود صغيرة متتالية معقدة، وأقواس مستدقة تخرج من دعامات ضخمة. وعلى المحراب (١٣١٠) نقوش على الجص من أوراق الكرم والبشنين؛ وكتابات كوفية لا يعلو عليها شيء من نوعها في بلاد الإسلام جميعها.
وهذه الآثار تسخر من القائلين بأن الأتراك كانوا قوماً همجاً، فكما أن الحكام والوزراء السلاجقة كانوا من أقدر الساسة والحكام في التاريخ، كذلك كان المهندسون السلاجقة من أقدر البنائين وأشجعهم في عصر الإيمان الذي يمتاز بضخامة مبانيه وأعظمها قوة؛ ولقد وقف طراز المباني السلجوقية الضخمة الجريئة في وجه النزعة الفارسية إلى الزينة، ونشأ من اجتماع النزعتين السلجوقية والفارسية طراز معماري جديد عم آسية الصغرى والعراق وإيران، ومن العجيب أن يتفق هذا الطراز في الزمن مع ازدهار فن العمارة القوطي في فرنسا. ولم يجر السلاجقة على السنة التي جرى عليها العرب قبلهم فيخفوا مكان الصلاة في ركن من أركان الصحن، بل جعلوا للمسجد واجهة قوية متلألئة، ورفعوا بناءه، وأقاموا عليه قبة مستديرة أو مخروطية جمعت كل الصرح، وضمت أجزاءه جميعها في وحدة، وفي هذا الوقت بالذات اجتمع في البناء العقد المستدق، والقبو، والقبة أحسن اجتماع (١٤).
وبلغت الفنون كلها ذروة مجدها في هذا العصر العجيب عصر العظمة