للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأربعة عشر فيلسوفاً وعالماً، وأن ابن أبي أصيبعة (١٢٠٣ - ١٢٧٠) ترج لأربعمائة طبيب، وأن محمد الغوفي (١٢٢٨)، ألف موسوعة تشمل ترجمة لثلاثمائة من شعراء الفرس لم يذكر فيها اسم عمر الخيام، وبز محمد بن خلكان (١٢١ - ١٢٨٢) بمفرده هؤلاء جميعاً وغيرهم بكتابة وفيات الأعيان الذي يحتوي على تراجم في صورة قصص لثمانمائة وخمسة وستين من ذوي المكانة من المسلمين. والكتاب على اتساع مجاله عجيب الدقة، وإن كان ابن خلكان نفسه يعتذر ما فيه من نقص ويختتمه بقوله "أبى الله أن يصح إلا كتابه" (١) وحلل محمد الشهرستاني في كتاب الملل والنحل (١١٢٨) المشهورة من أديان العالم وفلسفاته، ولخص تواريخها، ولم يكن في مقدور أحد من المسيحيين في ذلك العصر أن يكتب كتاباً يماثله في غزارة مادته ونزاهته.

أما أدب القصة عند المسلمين فلم يتجاوز حكايات كثيرة عن حوادث اللصوص، متقطعة، متقطعة لا يربطها بعضها ببعض إلا أنها تروى عن شخصية واحدة. وكان أوسع الكتب انتشاراً عند المسلمين بعد القرآن، وكتاب ألف ليلة وليلة، وكتاب كليلة ودمنة لبيدبا هو مقامات أبي محمد الحريري (١٠٥٤ - ١١٢٢) البصري. وتروي هذه المقامات في نثر مسجع مغامرات الوغد السافل أبي زيد صاحب الشخصية الممتعة، وهو الذي يضطر القارئ إلى العفو عن مجونه، وجرائمه، وتجديفه بسبب فكاهته الظريفة، وحذقه ودهائه، وفلسفته الجذابة المغرية: أنظر إلى قوله في إحدى المقامات:


(١) يقول ابن خلكان: "فمن وقف على هذا الكتاب من ذوي العلم ورأى فيه شيئاً من الخلل فلا يعمل المؤاخذة فيه، فإني توخيت فيه الصحة حسبما ظهر لي، مع أنه كما يقال، أبى الله أن يصح إلا كتابه. لكن هذا جهد المقل وبذل الاستطاعة، وما يكلف الإنسان إلا ما تصل قدرته إليه وفوق كل ذي علم عليم .... والله يستر عيوبنا بكرمه الضافي، ولا يكدر علينا ما منحنا من مشروع عظاته النمير الصافي إن شاء الله تعالى بمنه وكرمه". انتهى قول ابن خلكان. تالله ما اجمل هذا التواضع! (المترجم)