للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وعاص النصيح الذي لا يبيح

إذا ما سمح

وجل في المجال ولو بالمحال

وخذ ما صلح (١)

ويكاد كل من يعرف الكتابة والقراءة من المسلمين في ذلك الوقت أن يقرض الشعر، ولا يكاد يوجد حاكم لا يشجعه، وإذا صدقنا قول ابن خدون مئات من الشعر كانوا يقيمون في بلاط المرابطين والموحدين في إفريقية وأسبانيا (٢٦). وحدث في اجتماع للشعراء المتنافسين في إشبيلية أن نال الأعمى التطيلي (٢) جائزة لأنه جمع في بيتي نصف شعر العالم كله إذ قال:

ضاحك عن جمان سافر عن در

ضاق عنه الزمان وحواه صدري

وتقول الرواية إن سائر الشعراء مزقوا قصائدهم دون أن يقرءوها، وفي القاهرة ظل البها زهير يغني عن الحب بعد أن ابيض شعره بزمن طويل، وفي بلاد الشرق الإسلامي كان انقسام الدولة إلى ممالك صغيرة سبباً في ازدياد عدد الأمراء والكبراء الذين يناصرون الآداب، وإلى تنافسهم في هذا الميدان كما حدث في ألمانيا في القرن التاسع عشر. وكان الفرس أغنى الأمم الإسلامية بالشعراء؛ فقد ظل الأنوري شاعر خراسان زمناً ما يتغنى بقصائده في بلاط سنجر، ومدحه بما لم يمدح به إلا نفسه. ومن مديحه لنفسه قوله بالفارسية ما معناه:


(١) من المقامة الثانية عشرة الدمقشية. (المترجم)
(٢) أبو العباس التطيلي. ويروي سافر عن بدر وهذه القافية تتفق مع الترجمة الإنجليزية. وقصته كما يرويها ابن خلدون في حديثه عن الموشحات الأندلسية: "أن أهل هذا الشأن بالأندلس يذكرون أن جماعة من الوشاحين اجتمعوا في مجلس بإشبيليه وكل واحد منهم اصطنع موشحة، وتأنق فيها فتقدم الأعمى التطيلي للإنشاد، فلما افتتح موشحته المشهورة بالبيتين السابقين صرف ابن بقي موشحته وتبعه الباقون". (المترجم)