للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأكبر الظن أن هذه الرباعيات القليلة تطبع في عقل القارئ صورة خاطئة لحياة الخيام، وما من شك في أنها لم يكن لها إلا شأن قليل في الخمسة والثمانين عاماً التي امتدت إليها حياته. ومن واجبنا أن نصوره، لا في صورة السكير الذي يستلقي مخموراً في الطرقات، بل في صورة العالم المسن العاكف في هدوء على معادلاته التكعيبية، وعلى طائفة قليلة من أبراج النجوم والخرائط الفلكية، وعلى كأس من الخمر بين الفينة والفينة مع زملائه العلماء، وهم منتشرون على الكلأ كالنجوم. ويبدو أنه كان يحب الأزهار كحب المحصورين في أرض جدباء؛ وإذا أخذنا بقول النظامي العروضي قد نال بغيته في أن يدفن حيث يتفتح الزهر النضير. قال النظامي:

هبط عمر الخيام سنة ٥٠٦ هـ (١١١٢ - ١٣ م) مدينة بلخ ونزل في قصر الأمير أبي سعد، وكنت في خدمة الأمير فسمعت حجة الحق عمر يقول: سيكون قبري في موضع تنتثر الأزهار عليه في كل ربيع. وظننته يقول مستحيلاً ولكني كنت أعلم أنه لا يلقي لقول جزافاً.

ثم هبطت نيسابور سنة ٥٣٠ هـ (١١٣٥ م) فقيل لي بأن ذلك الرجل العظيم قد مات، وكان له على حق الأستاذ فرأيت من واجبي أن أزور قبره وصحبت من يدلني عليه فأخرجني إلى مقبرة الحيرة، وهناك رأيت على يسار الزائر في سفح سور حديقة موضع دفنه، ورأيت أشجار الكمثري والبرقوق وقد تدلت أغصانها من داخل الحديقة ونثرت على قبره النوار حتى كادت نخفيه عن الأبصار. فعدت بالذاكرة إلى تلك القصة التي سمعتها منه في بلح، وغشيني الحزن، وغلبني الباء لأني لم أكن أعرف له نداً بين الرجال، وفهمت أن الله تعالى أسكنه فسيح جناته فضلاً وكرماً.