غادر حانوته والتق بخلوة للصوفية. وتشتمل كتبه الأربعون على مائتي ألف بيت من الشعر أشهرها كلها منطق الطير. وخلاصته أن ثلاثين طائراً (أي صوفياً) يعتزمون البحث مجتمعين عن ملك الطيور كلها المسمى سيمورغ (الحق). ويختارون ستة وديان: الطب؛ والعشق، والمعرفة، والتجرد (عن جميع الشهوات)، والتوحيد (حيث يدركون أن الأشياء جميعها واحدة)، والحيرة (من فقدان الإحساس بالوجود الفردي). وتصل ثلاثة من الطيور الوادي السابع وادي الفناء (فناء النفس)، ويطرقون باب الملك المختفي. ويعرض الحاجب عن ل منهم سجل أعماله، فيغلبهم الحياء، ويستحيلون ترابا، ولكنهم يبعثون من هذا التراب في صورة ضياء، ويدركون بعدئذ أنهم هم وسيمورغ (وهو لفظ معناه ثلاثون طيراً) شيء واحد، ويفنون من هذا الوقت في سيمرغ كما تفنى الظلال في ضوء الشمس. ويعبر العطار في كتبه الأخرى عن عقيدته في وحدة الوجود تعبيراُ أكثر فيقول إن العقل يستطيع معرفة الله لأنه لا يستطيع معرفة نفسه، ولكن الهيام والوجد يستطيعان الوصول إلى الله، لأنه هو الحقيقة الجوهرية والقوة الكامنة في كل شيء والمصدر الوحيد لكل عمل وكل حركة، وهو روح العالم وحياته. وليس في مقدور أية نفس أن تستمتع بالسعادة حتى تفنى وتصبح جزءاً من هذه الروح الجامعة، والشوق إلى هذا الاتحاد هو وحده الدين الحق، وإفناء النفس فيه هو وحده الخلود الصحيح (٤٥). ويرفض أهل السنة هذا كله ويعدونه بدعة وضلالاً، وقد هاجم جماعة من الغوغاء بيت العطار وأحرقوه عن آخره، ولكنه مع هذا لم يقضِ عليه القضاء كله، إذ تقول الرواية المتواترة إنه عاش مائة عام وعشرة أعوام، وأنه بار بيده الفل الذي نادى به فيما بعد معلماً له، والذي فاقت شهرته شهرة معلمه.
كان جلال الدين الرومي (١٢٠١ - ١٢٧٣) من أهل بلخ، ولكنه عاش معظم حياته في قونية. وجاء إلى هذه المدينة صوفي عجيب هو شمس تبريري