للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ليخطب في أهلها، وبلغ من تأثر جلال الدين بخطبه أن عمد إلى تأسيس طائفة المولوية الذين لا يزالون يتخذون قونية عاصمة لهم، وأنشأ جلال الدين في حياته القصير نسبياً بضع مئات من القصائد. وقد جمعت القصار منها في ديوانه، وتمتز بعمق الشعور، والإخلاص وقوة الخيال وإن لم تخرجها هذه القوة عن مقتضيات الطبيعة، وبهذه الصفات كلها أصبحت تلك القصائد أسمى ما قيل من الشعر الديني في عهد المزامير. وكتابه المثنوي المأنوي عرض ضافٍ للتصوف، وهو ملحمة دينية تفوق في حجمها كل ما خلفه هوميروس، وفيها فقرات بارعة الجمال، ولكن الجمال إذا أثقل بعبء الألفاظ لا يبقى متعة إلى أبد الدهر. وموضوعه، كموضوع كتاب معلمه، هو وحدة الكون:

دق إنسان باب الحبيب، فناداه صوت من الداخل:

من الطارق؟ فأجابه "أنا" فناداه الصوت: "إن هذه الدار لا تتسع لي ولك"، وظل الباب مغلقاً. فسار المحب إلى الصحراء، وداو في عزلته على الصوم والصلاة ثم عاد بعد عام ودق الباب مرة أخرى، وسأله الصوت كما سأله من قبل: "من الطارق؟ " فأجاب المحب: "إنه أنت نفسك"، ففتح له الباب (٤٦).

ونظرت حولي أبحث عنه، فلم أجده على الصليب، وذهبت إلى هيكل الأوثان؛ وإلى المعبد القديم، فلم أشاهد فيهما أثراً … ثم وجهت بحثي نحو الكعبة، لكنني لم أجده في هذا المكان الذي يلجأ إليه الشبان والشيب، وسألت ابن سينا عن مقامه، ولكن ابن سينا لم يحط به. ثم تفقدت قلبي، وفيه وجدته، ولم يوجد في مكان سواه (٤٧).

إن كل سورة تراها لها أصل مثلها في العالم اللامكاني، فإذا انعدمت الصورة