وأشهر ما ظهر من الكتب في العلوم الطبيعية في ذلك العهد هو كتاب ميزان الحكمة الذي ألفه في عام ١١٢٢ مول يوناني من آسية الصغرى يدعى أبا الفتح. وفي هذا الكتاب تاريخ لعلم الطبيعة، وقوانين الروافع، وجداول بالكثافة النوعية لكثير من المواد السائلة والأجسام الصلبة، وفيه عرض لنظرية الجاذبية بوصفها قوة عامة تجتذب كل شيء نحو مركز الأرض (٧٤). وقد أدخل المسلمون كثيراً من التحسينات على السواقي التي كانت معروفة عند اليونان والرومان، وشاهد الصليبيون هذه السواقي ترفع الماء من نهر العاصي فأدخلوها في ألمانيا (٧٥). وعلا شأن الكيميائيين، وكانوا يعرفون كما يقول عبد اللطيف ثلاثمائة طريقة لتضليل الناس (٧٦). ويقال إن أحد هؤلاء الكيميائيين حصل من نور الدين على قرض كبير لينفقه في البحوث العلمية ثم اختفى عن الأنظار، وبعدئذ نشر أحد الظرفاء ثبتاً بأسماء المغفلين وعلى رأسهم نور الدين نفسه، ووعد أن يضع اسم الكيميائي إذا رجع مكان اسم نور الدين، ويبدو أن هذا المؤلف الظريف لم يمسسه أذى (٧٧).
وفي عام ١٠٨١ صنع إبراهيم السهلي أحد علماء بلنسية أقدم كرة سماوية معروفة في التاريخ. وقد صنعت هذه الكرة من النحاس الأصفر وكان طول قطرها ٢٠٩ ملليمتر (٨١. ٥ بوصة)؛ وحفر على سطحها ١٠١٥ نجماً مقسمة إلى سبعة وأربعين كوكبة، وتبدو النجوم فيها حسب أقدارها (٧٨). وكانت خرلدة إشبيلية منارة ومرصداً في وقت واحد، وفيها قام جابر بأرصاده التي نشرها في كتابه إصلاح المجسطي (١٢٤٠). كذلك ظهرت نفس هذه الثورة على نظريات بطليموس الفلكية في مؤلفات أبي إسحق البطروجي القرطبي (المعروف عند علماء الغرب باسم البتراجيوس Alpetragius) والذي مهد الطريق لكوبرنيق بنقده الهدام لنظرية أفلاك التدوير والدوائر المختلفة المراكز التي حاول بها بطليموس أن يفسر حركات النجوم ومساراتها.