بالعقل الفعال (٩٧). وأصبح حي بعد أن بلغ التاسعة والأربعين من العمر متأهباً لتعليم غيره من الناس. وكان من حسن الحظ أن متصوفاً يدعى أسال استطاع في سعيه إلى الوحدة أن يلقي بنفسه على الجزيرة، فالتقى بحي، وكان هذا أول معرفة له بوجود بني الإنسان. وعلمه أسال لغة الكلام وسره أن يجد أن حياً قد وصل دون معونة أحد إلى معرفة الله، وأقر لحي بما في عقائد الناس الدينية في الأرض التي جاء منها من غلظة وخشونة، وأظهر له أسفه على أن الناس لم يصلوا إلى قليل من الخلاق الطيبة إلا بما وعدوا به من نعيم الجنة، وما أنذروا به من عقاب النار. واعتزم حي أن يغادر جزيرته ليهدي ذلك الشعب الجاهل إلى دين أرقى من دينهم وأكثر منه فلسفة. فلما وصل إليهم أخذ يدعوهم في السوق العامة إلى دينه الجديد وهو وحده الله والكائنات. لكن الناس انصرفوا عنه أو لم يفهموا أقواله. وأدرك أن الناس لا يتعلمون النظام الاجتماعي إلا إذا مزج الدين بالأساطير، والمعجزات، والمراسيم، والعقاب والثواب الإلهيين. ثم ندم على إقحامه نفسه فيما لا يعنيه، وعاد إلى جزيرته، وعاش مع أسال يرافق الحيوانات الوديعة والعقل الفعال، وظلا على هذه الحال يعبدان الله حتى الممات.
وقدم ابن طفيل إلى أبي يعقوب يوسف حوالي عام ١١٥٣ شاباً قاضياً وطبيباً يعرفه المسلمون باسم أبي الوليد محمد بن رشد (١١٢٦ - ١١٩٨) ويعرفه الأوربيون في العصور الوسطى باسم أفروس (Averro (s) ، واكبر فلاسفة المسلمين تأثيراً في العقول. ودل ابن طفيل بعمله هذا على تجرده من الغيرة والحسد تجرداً نادر الوجود في بني الإنسان. وكان جد ابن رشد وأبوه كلاهما قاضيين للقضاة في قرطبة، وقد هيأ له من التعليم كل ما تستطيع أن تهيئه له العاصمة القديمة. ونقل إلينا أحد تلاميذه هذه الفقرة التي يقولون إنها هي التي وصف بها ابن رشد نفسهُ أول لقاء له بالأمير فقال إنه لما قدم عليه لم يجد معه إلا ابن طفيل، وأخذ ابن