لكي تصبح موائمة لكل زمان هو أن تشرح وتفسر (١). واعتزم ابن رشد أن يعيد لكل من كتب أرسطو البرى خلاصة موجزة في أول الأمر، ثم شرحاً لها موجزاً أيضاً، ثم شرحاً مطولاً للطلبة المتقدمين في الدرس- وكانت هذه الطريقة طريقة الشروح المتدرجة في الصعوبة مألوفة في الجامعات الإسلامية. ولقد كان من سوء الحظ أنه لا يعرف اللغة اليونانية، وأنه اضطر لهذا السبب إلى الاعتماد على الترجمة العربية للترجمة السريانية لكتب أرسطو؛ ولكن صبره، وصفاء ذهنه، وقدرته على التحليل الدقيق العميق، أذاعت شهرته في أوربا كلها وأكسبه اسم الشارح الأعظم ورفعه إلى أعلى مقام بين فلاسفة المسلمين لا يعلوا عليه في المنزلة إلا لبن سينا العظيم.
وأضاف ابن رشد إلى هذه الشروح كتباً ألفها هو في المنطق، والطبيعة، وعلم النفس، وما بعد الطبيعة، والفقه، والشريعة، والفلك، والنحو، ورداً على تهافت الفلاسفة للغزالي سماه تهافت التهافت. وهو يقول كما قال فرانسس بكن من بعده إن من الفلسفة قد يميل الإنسان إلى المروق من الدين، ولكن الدرس الواسع يؤدي إلى الائتلاف بين الفلسفة والدين. ذلك أن الفيلسوف، وإن كان لا يأخذ تعاليم القرآن، والتوراة، وغيرهما من الكتب النزلة (١٠٠) بمعناها الحرفي يدرك أنها لا غنى عنها لإنماء روح التقوى الطيبة والأخلاق السليمة في عقول الناس، الذين تشغلهم مطالب الحياة الملحة فلا يجدون من الوقت ما يكفي لغير التفكير العارض، السطحي، الخطر في مبادئ الأشياء وأواخرها. ومن ثم فإن الفيلسوف الناجح لا ينطق بلفظ أو يشجع لفظاً يعرض الدين (١٠١)؛ ومن حق الفيلسوف في مقابل هذا أن يترك حراً يسعى وراء الحقيقة، ولكن عليه مع ذلك أن يحصر مناقشاته في دائرة المتعلمين ومداركهم، وألا يعمد
(١) وأبدى سنتيانا Sanlatsna في كتابه حياة العقل The Life of Reason هذا الرأي نفسه.