للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إلى الدعاوة لآرائه بين العامة (١٠٢). وهو يرى أن العقائد الدينية إذا فسرت تفسيراً رمزياً تتفق مع ما يكشف عنه العلم والفلسفة (١٠٣). ولقد ظل هذا التفسير الرمزي للنصوص المقدسة المبني على الاستعارة التشبيه سنة متبعة حتى عند رجال الدين أنفسهم مئات السنين. وابن رشد لا يقول صراحة بالنظرية التي يعزوها إليه النقاد المسيحيون وهي أن قضية من القضايا قد تكون صادقة في الفلسفة (بين المتعلمين)، ولكنها قد تكون خاطئة (مضرة) في الدين (والأخلاق) (١٠٤)، وإن كانت تعاليمه تتضمن هذا المعنى. ومن أجل هذا وجب ألا يبحث عن آراء ابن رشد في رسائله الصغرى التي وضعها لجمهور الطلاب، بل في شروحه لأرسطو التي هي أكثر عمقاً وأصعب فهماً من الرسائل السالفة الذكر.

وهو يفسر الفلسفة بأنها البحث في عنى الوجد بقصد إصلاح شأن الإنسان (١٠٥) ويقول إن العالم أزلي، وإن حركات الكواكب لا بداية لها ولا نهاية؛ وإن القول بالخلق خرافة، فالقائلون بالخلق يدعون أن الله ينشئ كائناً (جديداً) من غير أن يحتاج في إنشائه إلى مادة موجودة من قبل … وهذا التصور هو الذي جعل علماء الأديان الثلاثة القائمة في هذه الأيام يقولون إن الشيء قد ينشأ من لا شيء (١٠٦) … والحركة أزلية ودائمة؛ وكل حركة تنشأ من حركة أخرى قبلها. وبغير الحركة لا يكون زمن ليس في وسعنا أن نتصور حركة ذات بداية ونهاية (١٠٧).

ولكنه مع هذا يقول إن الله هو خالق العالم، ويعني بهذا أن العالم موجود في أي وقت من الأوقات بقوة الله الحافظة، وإنه يمر في كل لحظة بعملية خلق مستمرة بقدرة الله الفعالة (١٠٨)؛ فالله هو نظام الكون، وقوته وعقله.

ومن هذا النظام الأعلى والعقل الكلي يكون نظام الأفلاك والنجوم عقلها المحرك. ومن عقل أدنى الأفلاك السماوية (فلك القمر) يأتي العقل الفعال الذي يدل في جسم الإنسان المفرد وعقله. والعقل الإنساني مكون من عنصرين