بغداد من الأسلحة ومن جميع وسائل الدفاع. ورفض المستعصم هذه الطلبات بإباء وكبرياء، وحاصر المغول بغداد، وأرسل الخليفة إلى هولاكو بعد شهر من بدء الحصار هدايا وعرض عليه الصلح؛ وخدع بما وعد به من الرحمة فأسلم هو وولداه أنفسهم إلى المغول؛ ودخل هولاكو وجنوده بغداد في الثالث عشر من فبراير عام ١٢٥٨، وأعملوا فيها السلب والنهب والقتل أربعين يوماً كاملة، فتكوا فيها بثمانمائة ألف من أهلها على حد قول بعض المؤرخين. وهلك في هذه المذبحة الشاملة آلاف من الطلاب، والعلماء، والشعراء، ونهبت أو دمرت في أسبوع واحد المكاتب والكنوز التي أنفقت في جميع قرون طوال، وذهبت مئات الآلاف من المجلدات طعاماً للنيران، وأرغم الخليفة أفراد أسرته على أن يكشفوا عن مخابئ ثروتهم، ثم قتلوا (١١٩). وهكذا قضي على الخلافة العباسية في آسية.
ثم عاد هولاكو إلى منغوليا، وبقي جيشه وراءه، يتقدم لفتح الشام تحت إمرة غيره من القواد، حتى التقى عند عين جالوت بجيش مصري يقوده قطز وبيبرس من أمراء المماليك (١٢٦٠). وزفّت البشرى إلى كل مكان في بلاد الإسلام وفي أوربا نفسها، وابتهجت نفوس الناس على اختلاف أديانهم ومذاهبهم، فقد حُل الطلسم وذهب الروع، ذلك أن معركة حاسمة دارت رحاها بالقرب من دمشق عام ١٣٠٣ وكانت عاقبتها أن هزم المغول، ونجت بلاد الشام للمماليك، ولعلها أيضاً احتفظت للمسيحية بأوربا.
ولسنا نعرف أن حضارة من الحضارات في التاريخ كله قد عانت من التدمير الفجائي ما عانته الحضارة الإسلامية على أيدي المغول. لقد امتدت فتوح البرابرة لبلاد الدولة الرومانية قرنين من الزمان، وكان في استطاعة بلاد الدولة أن تنتعش بعض الانتعاش بين كل ضربة والتي بعدها، وكان الفاتحون الجرمان يكنون في قلوبهم بعض الإجلال للدولة المحتضرة التي يعملون على تدميرها، ومنهم من حاول المحافظة عليها. أما المغول فقد أقبلوا وارتدوا في