للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الشريعة وجدت لا محالة قبل أن يخلق العالم "في صدر الله أو عقله" (١)، وكان إنزالها على موسى لا شيء غيره حادثاً من حوادث الزمان. والتلمود أو بعبارة أدق جزؤه الذي يبحث في الشريعة (الهلكا) هو أيضاً كلمات الله الأزلية، وهو صياغة للقوانين التي أوحاها الله إلى موسى شفوياً ثم علّمها موسى لخلفائه، ولهذا فإن ما فيها من الأوامر والنواهي واجبة الطاعة تستوي في هذا مع كل من جاء في الكتاب المقدس (٢)، لأنها صورة من الشريعة معدلة جاءت متأخرة عنها (١٨). وكانت بعض قرارات الأحبار تتعارض تعارضاً صريحاً مع قوانين أسفار موسى الخمسة، أو تفسرها تفسيراً يبيح مخالفتها (١٩). وكان يهود ألمانيا وفرنسا في العصور الوسطى يدرسون التلمود أكثر مما يدرسون الكتاب المقدس نفسه.

ومن المبادئ البديهية في التلمود، كما أن من المبادئ البديهية في الكتاب المقدس وجود إله عاقل قادر على كل شيء. وقد وجد بين اليهود من حين إلى حين عدد من المتشككين أمثال اليشع بن أيوبا العالم الذي اتخذه الكوهن ماير صديقاً له، ولكن يبدو أن أولئك المتشككين كانوا أقلية صغيرة لا تكاد تجهر بآرائها. والله كما يصفه التلمود إله متصف صراحة بصفات البشر، فهو يحب ويبغض ويغضب (٢٠) ويضحك (٢١) ويبكي (٢٢). وسحي بوخز الضمير،


(١) قارن بذلك ما يعتقده الصينيون الأقدمون من أن حركة العالم وبقاءه إنما يعتمدان على القانون الأخلاقي؛ وتشبيه هرقليطس حيود الكواكب السيارة بالذنوب؛ و"أفكار" أفلاطون النموذجية الأصلية المقدسة. وأصل هذه النظرية يرجع إلى الآية الثانية والعشرين من الإصحاح الثامن من سفر الأمثال. وقبل أقر المسيح بأزلية الشريعة (الآية ٧ من الإصحاح السابع عشر من إنجيل لوقا، والآية الثامنة عشر من الإصحاح الخامس من إنجيل متى)؛ كذلك يعتقد المسلمون أن القرآن أيضاً أولى.
(٢) لم يقر أي مجمع يهودي رسمي هذا الرأي التلمودي الخاص بالتلمود؛ واليهودية الحديثة بعد إصلاحها ترفضه.