للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ويؤيد هذا الرأي ما يحتمه أحبار اليهود على بني دينهم ألا يبقوا لديهم عبداً أكثر من اثني عشر شهراً دون ختان (٤٨).

وقد يخيل إلى الإنسان وهو يقرأ بعض أجزاء من التلمود أنه كتاب مبسط في الطب المنزلي أكثر مما هو كتاب في الشرائع الدينية، والحق أنه كان لا بد أن يجعل بمثابة موسوعة من النصائح للشعب اليهودي. ذلك أن يهود القرن الرابع والقرن الخامس بعد الميلاد كانوا كمعظم شعوب البحر المتوسط ينزلون عائدين إلى الخرافات والحيل الطبية التي تسود بين الشعوب المنعزلة الفقيرة؛ ولقد تسرب كثير من هذا الطب الشعبي والخرافي إلى التلمود. غير أننا مع هذا نجد في الجمارا البابلية وصفاً غاية في الجودة للمريء، والحنجرة، والقصبة الهوائية، والرئتين، والأغشية السحائية، وأعضاء التناسل. وقد وصف فيه خراجات الرئتين وتليف الكبد، والحَرَض الجَبَني وكثير غيرها من الأمراض وصفاً دقيقاً؛ ومما أثبته الأحبار أن الذباب وأكواب الشرب قد تنقل العدوى (٤٩)، كما أثبتوا أن التدمام (أي الاستهداف للنزف) داء وراثي يجعل ختان أبناء المصابين به أمراً غير مستحب لكن هذه الآراء قد اختلطت بها رقي سحرية لطرد الأرواح الخبيثة التي يحسبونها سبباً في الأمراض.

ولقد كان أحبار اليهود، مثلنا نحن جميعاً، خبراء في التغذية الصحية. ونبدأ القواعد الحكيمة للتغذية عندهم بالأسنان. فهذه في رأيهم يجب ألا تخلع، مهما اشتدت آلامها (٥٠) لأن "الإنسان إذا أجاد مضغ الطعام بأسنانه وجدت قدماه القوة" (٥١). وهم يمتدحون الخضر والفاكهة ما عدا البلح ويوصون بأكملها. أما اللحم فمن مواد الترف التي يجب ألا يتناولها سوى المتطهرين (٥٢). ويجب أن يذبح الحيوان بحيث تقل آلامه إلى أقصى حد، وبحيث يخرج الدم من اللحم، لأن أكل اللحم بما فيه من الدم رجس. ومن أجل هذا يجب أن يعهد ذبح الحيوان لاتخاذ لحمه طعاماً إلى أشخاص مدربين، عليهم أن يفحصوا عن أحشائه