للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

يفوقها حتى اليوم. لقد كان فن النقش الغائر للآشوريين ما كان فن النحت لليونان، أو التصوير الزيتي للإيطاليين في أيام النهضة، كان فنا محببا إليهم، يعبر تعبيرا فذا عن مثلهم الأعلى القومي في الشكل وفي الصفات.

هذا ما نقوله عن النقش عند الآشوريين، أما النحت فكان أقل منه شأنا وأحط منزلة. ويخيل إلينا أن الحفارين في نينوى وفي كلخ كانوا يفضلون النقش عن التصوير المجسم؛ ولذلك لم يصل إلينا من خرائب الآشوريين إلا قليل من التماثيل الكاملة. وليس فيما وصل إلينا منها ما هو ذو قيمة كبيرة. نرى تماثيل الحيوانات مليئة بالحياة والجلال، كأنها لا تشعر بأنها أعظم من الإنسان قوة فحسب بل تشعر فوق هذا بأنها أرقى منه خُلُقا- وحسبنا أن نذكر منها الثورين اللذين كانا يحرسان مدخل خراساباد (٦٧)؛ وأما تماثيل الأناسى والأرباب فهي خشنة ثقيلة بدائية، مزينة ولكنها لا فروق بينها، منتصبة ولكنها ميتة. ولعل من الجائز أن نستثني من هذا الوصف تمثال أشورناصربال الثاني الضخم المحفوظ في المتحف البريطاني الآن. ذلك أن في وسع الناظر إليه أن يرى فيه من خلال خطوطه الثقيلة ملكا في كل شبر من جسمه! يرى الصولجان الملكي وقد قبض عليه قبضة قوية، والشفتين الغليظتين تنمان عن قوة العزيمة، والعينين القاسيتين اليقظتين ويرى عنقا كعنق الثور ينذر الأعداء والمزورين في أخبار الضرائب بالشر المستطير، ويرى قدمين ضخمتين متزنتين على ظهر الأرض أكمل اتزان.

على أننا يجب إلا نقسو في حكمنا على فن النحت الآشوري؛ فأكبر الظن أن الآشوريين كانوا كلفين بالعضلات المفتولة والرقاب القصيرة، وأنهم لو رأوا نحافة أجسامنا التي تكاد تشبه نحافة أجسام النساء أو رشاقة هرميز الناعمة الشهوانية كما صورها بركسنليز أو عُلّية أبلون لسخروا من هذا كله أشد السخرية. أما من حيث العمارة الآشورية فكيف نستطيع أن نقدر قيمتها إذا كان كل ما بقي منها أنقاضا وخرائب لا تكاد تعلو عما يحيط بها من رمال، ولا تفيد في شيء إلا أن