أسبانيا قد فرضت عليهم ضرائب باهظة، ولكنهم مع ذلك أثروا، واستمتعوا فيها بالاستقلال في شئونهم الداخلية. وكانت التجارة تتبادل بحرية بين المسيحيين واليهود والمسلمين الأندلسيين، وكان بنو الأديان الثلاثة يتبادلون الهدايا في الأعياد، وكان بعض الملوك من إلى حين يشترك بالمال في بناء المعابد اليهودية (٢٧)، وكان في وسع الإنسان أن يجد بين عامي ١٠٨٥ و ١٤٩٢ يهودا يشغلون المناصب الكبرى في دول أسبانيا المسيحية منهم القائمون على شئون المال ومنهم الدبلوماسيين، ومنهم الوزراء أحياناً (٢٨). واشترك رجال الدين المسيحيون في القرنين الثاني عشر والثالث عشر في هذه الألفة المسيحية (٢٩).
وكانت بداية عدم التسامح الديني بين اليهود أنفسهم. ذلك أن يهودا ابن عزرا المتولي شئون قصر الفنسو السابع ملك ليون وقشتالة وجه في عام ١١٤٩ قوة حكومة ملكية ضد اليهود القرائين في طليطلة. ولسنا نعرف تفاصيل ما حدث وقتئذ، ولكن اليهود القرائين الأسبان الذي كانوا إلى ذلك الحين طائفة كبيرة لم يعد يسمع لهم خبر (٣٠). ودخل بعض الصليبيين أسبانيا في عام ١٢١٢ ليساعدوا أهلها على طرد المسلمين منها، وكانوا في أغلب الأحوال يحسنون معاملة اليهود؛ ولما أن اعتدت طائفة منهم على يهود طليطلة وقتلت كثيرين منهم، هب أهل المدينة المسيحيون للدفاع عن مواطنيهم، ووضعوا حداً لاضطهادهم (٣١)؛ وأدخل الفنسو العاشر ملك قشتالة بعض المواد المجحفة باليهود في قانونه الصادر عام ١٢٦٥، ولكن هذا القانون لم يطبق حتى عام ١٣٤٨، وكان ألفنسو في ذلك الوقت يستخدم طبيباً وخازناً لبيت المال يهودياً، واهدى إلى يهود إشبيلية ثلاثة من مساجد المسلمين ليجعلوها معابد لهم (٣٢). واستمتع بما خلعه العلماء اليهود والمسلمون على حكمه اللطيف من مجد. ولما احتاجت مغامرات بدرو الثالث Pedro ملك أرغونة إلى فرض الضرائب الفادحة على رعاياه، كان وزير ماليته وعدد آخر من موظفيه يهودا، ولما ثار أعيان البلاد ومدنها على الملكية، اضطر الملك