وإنجلترا، وفرنسا (٤٢)؛ ولكن ظروف الحياة جعلت هذا التملك أمراً غير ميسر من الوجهة العلمية يزداد صعوبة على مر الأيام. ذلك أن اليهودي، وقد حرمت عليه الشريعة المسيحية أن يستأجر أرقاء مسيحيين، وحرمت عليه الشريعة اليهودية أن يستأجر أرقاء من اليهود، لم يكن أمامه إلا أن يفلح أرضه باستئجار عمال أحرار يصعب الحصول عليهم ويتطلب الاحتفاظ بهم نفقات طائلة. يضاف إلى هذا أن الشريعة اليهودية تحرم على اليهودي أن يعمل في يوم السبت، وأن الشريعة المسيحية كانت عادة تمنعه عن العمل في يوم الأحد، وكان هذا التعطل عقبة كبيرة في سبيله؛ وكانت العادات أو القوانين الإقطاعية تجعل من المستحيل على اليهودي أن يكون له منزلة في النظام الاقتصادي لأن هذه المنزلة تتطلب منه أن يقسم يمين الولاء للمسيحية، وأن يقوم بالخدمة العسكرية، مع أن شرائع الدول المسيحية كلها تقريباً تحرم على اليهود حمل السلاح (٤٣). ولما حكم القوط الغربيون أسبانيا ألغى الملك سيزبوت جميع ما منحه أسلافه من الأرض لليهود، "وأمم" الملك إيجيكا جميع أملاك اليهود التي كانت ملكاً للمسيحيين في أي وقت من الأوقات، وفي تمام ١٢٩٣ حرم مجلس الكورتيز في بلد الوليد بيع الأراضي لليهود؛ وفوق هذا كله فإن ما كان يتعرض له اليهود في كل وقت من الأوقات من احتمال طردهم من البلاد، أو مهاجمتهم، قد أقنعهم بعد القرن التاسع أن يتجنبوا امتلاك الأرضين أو العيش في الريف. كل هذه الصعاب ثبطت همة اليهود في الاشتغال بالزراعة ومالت بهم إلى حياة الحضر، وإلى العمل في الصناعة والتجارة والشئون المالية.
ونشط اليهود في الشرق الأدنى وجنوبي أوربا في الصناعة، والحق أن اليهود كانوا في معظم الأحوال هم الذين أدخلوا الفن الصناعي الراقي من بلاد الإسلام إلى بيزنطية وإلى البلاد الغربية، ولقد وجد بنيامين التطيلي Beniamin of Tudela مئات من صانعي الزجاج في إنطاكية، وصور؛ واشتهر اليهود في مصر وبلاد