للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

اليونان بجمال منسوجاتهم المصبوغة والمطرزة وتفوقها على سائر المنسوجات من نوعها، وكان فردريك الثاني في القرن الثالث عشر لا بعد يستقدم إلى بلاده الصناع اليهود ليشرفوا على صناعة نسيج الحرير التابعة للدولة في صقلية. وكان اليهود في تلك الجزيرة وفي غيرها من البلاد يشتغلون في الصناعات المعدنية وبخاصة في الصباغة وصناعة الحلي، وظلوا يعملون في مناجم القصدير في كورونوول إلى عام ١٢٩٠ (٤٤). وانتظم الصناع العبرانيون في أوربا الجنوبية في طوائف للحروف قوية، وكانوا ينافسون الصناع المسيحيين منافسة شديدة، أما في أوربا الشمالية فقد احتكرت طوائف أرباب الحرف المسيحية كثيراً من الصناعات؛ وأخذت الدول المختلفة واحدة في إثر واحدة تحرم على اليهود الاشتغال حدادين، ونجارين، وخياطين، وحذائين، وطحانين، وخبازين، وأطباء؛ كما حرمت عليهم بيع الخمور، والدقيق، والزبد، والزيت في الأسواق (٤٥)، وابتياع مساكن لأنفسهم في أي مكان خارج عن الأحياء اليهودية.

وإزاء هذه القيود الثقيلة لجأ اليهود إلى التجارة وكان رب Rab، العالم التلمودي البابلي، قد وضع لبني ملته شعاراً يدل على ثاقب فكره: "تاجر بمائة فلورين تحصل على لحم وخمر؛ أما إن استغلت هذا القدر نفسه في الزراعة فأكبر ما تحصل عليه هو الخبز والملح" (٤٦). وكان البائع اليهودي الجائل معروفاً في كل مدينة وبلدة، والتاجر اليهودي معروفاً في كل سوق ومولد؛ وكانت التجارة الدولية عملاً تخصصوا فيه، وكادوا أن يحتكروه قبل القرن الحادي عشر، فكانت أحمالهم، وقوافلهم، وسفائنهم تجتاز الصحراوات، والجبال، والبحار، وكانوا في معظم الحالات يصبحون بضائعهم. وكانوا هم حلقة الاتصال التجاري بين بلاد المسيحية والإسلام، وبين أوربا وآسية، وبين الصقالبة والدول الغربية؛ وكانوا هم القائمين بمعظم تجارة الرقيق (٤٧)؛ وكان يعينهم على النجاح في التجارة مهارتهم في تعلم اللغات، وقدرة الجماعات اليهودية البعيدة بعضها عن بعض على