وكانت أسفار موسى (٥٢) والتلمود (٥٣) قد حرمت التعامل بالربا بين اليهود أنفسهم ولكنها لم تحرمه بين اليهودي وغير اليهودي. ولما أضحت الحياة الاقتصادية أشد تعقيداً مما كانت قبل، وصارت الحاجة إلى تمويل المشروعات أشد إلحاحاً نظراً لاتساع نطاق التجارة والصناعة، أخذ اليهود يقرض بعضهم بعضاً المال عن طريق وسيط مسيحي (٥٤) أو عن طريق جعل صاحب المال شريكاً موصياً (١) في المشروع وأرباحه-وهي وسيلة أجازها أحبار اليهود، وعدد كبير من رجال الدين المسيحيين (٥٥). وإذ كان القرآن وكانت الكنيسة المسيحية يحرمان الربا، وكان المقرضون المسيحيون لهذا السبب نادري الوجود قبل القرن الثالث عشر، فإن المقترضين المسلمين والمسيحيين-ومنهم رجال الدين المسيحيون، والكنائس والأديرة (٥٦) -كان هؤلاء المقترضون يلجئون إلى اليهود ليقرضوهم ما يحتاجونه من المال. وحسبنا دليلاً على هذا أن هارون اللنكلني Aaron of Lincoln هو الذي قدم ما يلزم من المال لبناء تسعة أديرة سترسيه Cistercian، وبناء دير سانت أولبنز St. Albans (٥٧) العظيم. ثم غزا رجال المصارف المسيحيون هذا الميدان في القرن الثالث عشر، واستعانوا بالوسائل التي أوجدها وسار عليها اليهود، وما لبثوا أن تفوقوا عليهم في الثراء واتساع نطاق الأعمال. "ولم يكن المرابي المسيحي أقل صرامة" من زميله اليهودي "وإن لم يكن أولهما في حاجة إلى حماية نفسه بالقدر الذي يحتاجه الثاني من خطر القتل والسلب والنهب"(٥٨) فكان كلاهما يشدد النكير عن المدين بما عرف عن الدائنين الرومان من القسوة، وكان الملاك يستغلونهم جميعاً لمصلحتهم الخاصة.
فكان المرابون جميعاً تفرض عليهم ضرائب باهظة، وكان اليهود منهم يتعرضان من حين إلى حين إلى مصادرة أموالهم بأجمعها. وقد سار الملوك على سنة
(١) الشريك الموصي هو الذي يشترك بالمال لا بالعمل وينال نصيباً من الربح إذا كسبت التجارة ولا يخسر شيئاً من ماله إذا لم تربح، ويسميه أهل الريف في مصر الشريك المرفوع. (المترجم)