وعذّب الذين ظنوا أنهم لم يبوحوا بكل ما كان لديهم من أموال مكنوزة بأن اقتلعت سن من أسنانهم كل يوم حتى يقرروا بحقيقة مدخراتهم (٦٧). وفي عام ١٢٣٠ اتهم هنري الثالث اليهود بقطع جزء من عملة الدولة (ويبدو أن بعضهم قد فعل ذلك حقاً)، فصادر ثلث ما يمتلكه يهود إنجلترا من ثروة منقولة، ولما تبين أن هذه الوسيلة مربحة، أعيدت في عام ١٢٣١؛ وبعد عامين من ذلك التاريخ انتزع اليهود ٢٠. ٠٠٠ مارك فضي، ثم انتزع منهم في عام ١٢٤٤ ستون ألف مارك (١) - وهو مبلغ يوازي مجموع إيرادات التاج البريطاني السنوية. ولما استدان هنري الثالث ٥٠٠٠ مارك من دوق كورنوول رهن له جميع يهود إنجلترا ضماناً لدينه (٦٨). وتوالت على اليهود فيما بين عامي ١٢٥٢ و ١٢٥٥ سلسلة من القروض المالية دفعتهم إلى حال من اليأس لم يروا معها بداً من أن يطلبوا أن يؤذن لهم بمغادرة إنجلترا جملة، ولكن طلبهم هذا لم يلق قبولاً (٦٩). وحرم إدوارد الأول في عام ١٢٧٥ التعامل بالربا تحريماً باتاً، ولكن الانقطاع لم ينقطع رغم هذا التحريم. وإذا كان خطر ضياع المال قد أزاد بسببه، فقد ارتفع سعر الفائدة، ولذلك أمر إدورد بالقبض على جميع اليهود ومصادرة جميع أملاكهم؛ وقبض كذلك على كثيرين من المرابين المسيحيين وشنق ثلاثة منهم. أما اليهود فإن مائتين وثمانين منهم قد شنقوا، وطيف بجثثهم في شوارع لندن ثم مزقت، وقتل عدد آخر منهم في المقاطعات الإنجليزية. وصودرت أملاك مئات منهم لصالح الدولة (٧٠).
وأثرى أصحاب المصارف اليهود في الفترات القلقة التي تخللت أوقات المصادرة، وظهرت علائم الثراء المفرط على بعضهم أكثر مما يجب أن تظهر؛ فلم يقتصروا على تقديم المال اللازم لبناء القصور، والكنائس الكبرى، والأديرة،
(١) كذلك المارك نصف رطل من الفضة، أما قيمته الشرائية فأكبر الظن أنها كانت تعدل قيمته في هذه الأيام خمسين مرة (٨. ٤٠ دولار أمريكي).