للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان تعدد الزوجات سنّة جرى عليها أغنياء اليهود في البلاد الإسلامية ولكنها كانت نادرة بينهم في البلاد المسيحية (٩١). وتشير الآداب الدينية التي وصلت إلينا من عهد ما بعد التلمود ألف إشارة وإشارة إلى "زوج" الرجل، ولا تشير قط إلى "أزواجه". وأصدر جرشم بن يهوذا حاخام مينز في عام ١٠٠ م أمراً بحرمان كل يهودي يتزوج أكثر من واحدة، وما لبث تعدد الزوجات بعد هذا القرار أن انقرض أو كاد بين اليهود في جميع أنحاء أوربا ما عدا أسبانيا. على أن حالات من هذا التعدد ظلت تحدث من حين إلى حين إذا ظلت الزوجة عقيماً بعد عشر سنين من زواجها وسمحت هي للرجل أن يتخذ له حظية أو زوجة ثانية (٩٢)، ذلك أن الأبوة كانت مسألة حيوية عند اليهود. وقد ألغى هذا القرار نفسه-قرار جرشم-ما كان للزوج قديماً من حق طلاق زوجته بغير رضاها ومن غير جريمة ارتكبتها؛ وأكبر الظن أن الطلاق بين اليهود في العصور الوسطى كان أقل منه في أمريكا في هذه الأيام.

وكانت الأسرة أكبر أسباب نجاة الحياة اليهودية وإن لم تكن رابطة الزواج قوية محكمة من الوجهة القانونية. ذلك أن الخطر المحدق باليهود من خارجهم قد قوى وحدتهم الداخلية، ويشهد أعداؤهم أنفسهم بما كانت تمتاز به الأسرة اليهودية، وما تمتاز به الآن، من "حرارة، وكرامة … وتفكير، وتدبر، وحب أبوي وأخوي" (٩٤). فقد كان الزوج الشاب يشترك مع زوجته في العمل، وفي السرَّاء والضراء، وكان شديد الحب لها لأنه يراها جزءاً من نفسه الكبرى، وإذا أصبح أباً وكبر أطفاله من حوله أثاروا فيه قواه المدخرة وبعثوا فيه أعمق الوفاء. وأكبر الظن أنه لم يكن قبل الزواج قد مس جسم امرأة غير زوجته دون الشعار، ولم تكن تتاح له في تلك البيئة الصغيرة الوثيقة الصلات إلا أقل الفرص للخيانة الزوجية بعد الزواج. ويكاد منذ ولادة أطفاله يبدأ بائنات لبناته ومهور لأولاده، وكان من البدائة عنده أن من واجبه أن يساعد البنين والبنات بماله في