ولم يكن الكنيس معبداً دينياً فحسبن بل كان فوق ذلك المركز الاجتماعي للعشيرة اليهودية؛ والمعنى الحرفي للفظ سناجوج، وإكليزيا، وسينود، وكلية هو مجتمع؛ ولقد كان الكنيس قبل المسيحية مدرسة ولا يزال يسمى شوله Schule عند اليهود الإشكنازيين، ثم أخذ على عاتقه في عهد التشتت عدداً كبيراً من الواجبات العجيبة المختلفة، فكان من عادة بعضها أن ينشر في كل سبت ما يصدره بيت الدين من قرارات خلال الأسبوع المنصرم، وأن يجبي الضرائب، وأن يعلن عن الأمتعة المفقودة، وأن ينظر في شكاوي بعض الأفراد من البعض الآخر، وأن يذيع أخبار الأملاك قبل موعده حتى يستطيع من له حقوق في هذه الأملاك أن يعترض عليه. وكان الكنيس يوزع الصدقات العامة، وكان في بلاد آسية مسكناً لأبناء السبيل. وكان مبناه على الدوام أجمل المباني في الحي اليهودي، وكان في بعض الأحيان وبخاصة في أسبانيا وإيطاليا آية من آيات العمارة، مزداناً أعظم زينة وأجملها؛ وكثيراً ما كان ولاة الأمور المسيحيون يحرمون على اليهود إقامة معابد تطاول أعلى كنيسة مسيحية في المدينة، وأمر البابا هونوريوس الثالث في عام ١٢٢١ بهدم معبد بهذا الوصف في بورج Bourges (١٠٢) .
وكان في أشبيلية في القرن الرابع عشر ثلاثة وعشرون كنيساً، وفي طليطلة وقرطبة ما لا يكاد يقل عن هذا العدد، منها واحد شيد في قرطبة عام ١٣١٥ تحتفظ به الحكومة الأسبانية على أنه أثر قومي.
وكان بكل كنيس مدرسة (بيت الدرس Beth ha Midrash) بالإضافة إلى المدارس الخاصة والمعلمين الخصوصيين، وأكبر الظن أن نسبة من كانوا يعرفون القراءة والكتابة بين يهود العصور الوسطى كانت أكبر منها بين المسيحيين (١٠٤) وإن كانت أقل منها بين المسلمين. وكانت أجور المدرسين تؤديها الجماعات اليهودية عامة أو يؤديها الآباء، ولكنهم كلهم كانوا خاضعين لرقابة