سنة، ووضع بالتدريج شروحاً للعهد القديم ومشنا. والجمارا ولم يحاول، كما حاول بعض العلماء الأسبان، أن يجد في النصوص الدينية آراء فلسفية، بل كل ما فعله أن فسر هذه النصوص تفسيراً اغترفه من بحر علمه الصافي الخضم، بلغ من تقدير بني دينه أن طبع هذا التفسير مع التلمود نفسه. وقد أكسبته طهارة حياته مضافة إلى تواضعه احترام شعبه فرفعوه إلى مقام القديسين، وأخذت الجماعات اليهودية في جميع أنحاء أوربا يرسلون إليه يستفتونه في المسائل الدينية والشرعية، وجعلوا لأجوبته الصفة القانونية. وأحزنته في شيخوخته مذابح الحملة الصليبية الأولى. وواصل عمله بعد وفاته أحفاده شمويل، ويعقوب، واسحق أبناء مإير، وكان يعقوب أول "التوسافيت"، وظل علماء التلمود الفرنسيون والألمان خمسة أجيال من بعد وفاته يراجعون ويعدلون شروحه بما يضيفون إليها من توسافوت أو "إضافات".
وما كاد التلمود يتم حتى أصدر جستنيان قراراً بتحريمه (٥٥٣) لأنه "خليط من الصغائر، والخرافات، والمظالم، والإهانات، والسباب، والكفر، والتجديف"(١٧). ويلوح أن الكنيسة قد نسيت بعدئذ وجود التلمود؛ ذلك أنه قلّما كان يوجد من رجال الكنيسة اللاتينية من يستطيع قراءة اللغة العبرية أو الآرامية اللتين كتب بهما، وظل اليهود سبعمائة عام كاملة يقرءون ويدرسون مجلداته العزيزة عليهم بكامل حريتهم-يقرءونه بجد يخيل إلينا معه أنه قد نسوا معه الكتاب المقدس. لكنه حدث في عام ١٢٣٩ أن رفع لقولاس دونين Nicholas Donin، وهو يهودي اعتنق المسيحية، إلى البابا جريجوري التاسع معروضاً يتهم فيه التلمود بأنه يحتوي على إهانات فاضحة للمسيح والعذراء، وتحريض على الغش والخداع في معاملة المسيحيين. وما من شك في أن بعض هذه التهم صحيح، لأن جامعي الكتاب في جدهم المتواصل قد عظموا التنائيم والأمورائم تعظيماً جعلهم يضمون إلى الأجزاء الشعبية من الجمارا وفي أجزاء