إلا تفاصيل عن الجنة والنار" (٣١). ويشجع هذا القول الكوهن فيقول إن اللغة العبرية لغة الله، وإن الله لم يتحدث بنفسه إلا لليهود، وإن أنبياء اليهود وحدهم هم الملهمون من عند الله ويسخر هليفي من الفلاسفة الذين ينادون بتفوق العقل ويخضعون الله والسموات لقياسهم المنطقي ومقولاتهم، مع أن العقل البشري لا يعدو أن يكون جزءاً من عالم المخلوقات المعقد وهو جزء هش متناه في الصغر .. والعاقل (وليس حتماً أن يكون متعلماً) هو الذي يقر بضعف العقل وعجزه عن إدراك الشئون غير الدنيوية، ويستمسك بالعقيدة التي جاءه بها الكتاب المقدس، ويؤمن ويصلي ببساطة الطفل (٣٢).
ولكن افتتان الناس بالعقل قد أبقى على الرغم من هليفي، وظلت آراء أرسطو تغزو الدين اليهودي. فلقد كان أبراهام بن داود (١١١٠ - ١١٨٠) مستمسكاً بدينه استمساك هليفي، يدافع عن التلمود ضد اليهود القرائين ويقص بكبرياء وفخار تاريخ الملوك اليهود في الدولة الثانية، ولكنه كان يتطلع، كما تطلع العدد الذي يخطئه الحصر من المسيحيين، والمسلمين، واليهود في القرنين الثاني عشر والثالث عشر، إلى استخدام الفلسفة لإثبات أصول دينه. وقد ولد كما ولد هليفي في طليطلة، وكان يكسب عيشه من مهنة الطب. وقد رد على هليفي في كتابه العربي كتاب العقيدة الرفيعة بمثل ما رد به أكويناس فبما بعد على أعداء الفلسفة المسيحيين، فقال إن الدفاع السلمي عن الدين ضد غير المؤمنين يتطلب المحاجة المنطقية، ولا يمكن أن نعتمد هذا الدفاع على الإيمان بهذا الدين، وقد فعل ابن داود ما فعله ابن رشد بعده بزمن قليل (١١٢٦ - ١١٩٨)، وما فعله ابن ميمون بعده بجيل من الزمان (١١٣٥ - ١٢٠٤)؛ والقديس تومس أكويناس بعده بمائة عام (١٢٢٤ - ١٢٧٤)، فبذل كل ما في وسعه من جد للتوفيق بين دين آبائه وبين فلسفة أرسطو. ولو أن الفيلسوف اليوناني شهد ذلك لسره أن يتلقى هذه التحية الثلاثية، أو أن يعرف أن الفلسفة اليهودية لم تعرفه