الله وحده يتكون من مادة وصورة، وهما تظهران مجتمعتين على الدوام، ولا يمكن فصل إحداهما عن الأخرى إلا في الفكر وحده (٣٠). وقد رفض أحبار اليهود هذه الآراء الكونية الشبيهة بآراء ابن سينا، وقالوا إنها هي المادية المقنعة، ولكن الكسندر الهاليسي Alexandre of Hales، والقديس بونافنتور St. Bonaventure ودنز اسكوتس Duns Scotus قبلوا فكرة كونية المادة تحت سيطرة الله وأولية الإرادة، وقال وليم الأوفروني عن ابن جبيرول إنه "أنبل الفلاسفة أجمعين" وظنه مسيحياً صالحاً.
أما يهودا هليفي فقد رفض كل تفكير فلسفي وقال عنه إنه من عبث العقل، وكان يخشى كما يخشى الغزالي أن تقوض الفلسفة دعائم الدين؛ وليس هذا لأنها تشك في عقائده، أو لأنها فوق ذلك تتجاهله، أو أنها تفسر الكتاب المقدس تفسيراً مجازياً فحسب، بل لأنها فوق هذا وأكثر منه تستبدل الجدل بالخشوع والإيمان. وقد قاوم هذا الشاعر غزو أفلاطون وأرسطو للدين اليهودي، وتسرب الآراء الإسلامية إلى اليهود، وهجمات اليهود القرائين المتواصلة على التلمود، نقول قاوم الشاعر هذا كله بتأليف كتاب في الفلسفة يعد أمتع كتب العصور الوسطى الفلسفية بأجمعها، ونعني به كتاب الخزري (١١٤٠؟) الذي عرض فيه آرائه في صورة قصة شبيهة بالمسرحيات تدور حول اعتناق ملك الخزر للدين اليهودي. وكان من حسن حظ هليفي أن الكتاب قد استخدمت فيه الحروف العبرية وإن كان قد كتب باللغة العربية، وبذلك لم يقرؤه غير اليهود المتعلمين؛ ذلك أن القصة تجمع أمام الملك أسقفاً، ومُلاَّ، وكوهناً؛ ثم تتخلص من الإسلام والمسيحية بعد قليل. فحين يقتبس المسلم والمسيحي من كتاب اليهود المقدس ويقران أنه كلام الله يصرفهما الملك ويستبقي الكوهن اليهودي ويصبح معظم الكتاب حديثاً للكوهن يعلم فيه ملكاً مطواعاً مختتناً أصول الدين اليهودي وشعائره. ويقول التلميذ الملكي لمعلمه: "لم يجد جديد منذ نزل دينكم اللهم