للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مصر القوية حيناً من الزمان. ولقد رأينا كيف اضطر رمسيس الثاني أن يعقد الصلح معهم وأن يقروا لملك الحيثيين بأنه نده. واتخذ الحيثيون عاصمتهم عند بوغاز كوي (١) وجعلوا أساس حضارتهم في أول الأمر الحديد الذي استخرجوه من الجبال المتاخمة لأرمينية، ثم الشرائع التي تأثرت كثيراً بشرائع حمورابي، ثم ما طبعوا عليه من إدراك ساذج للجمال حفزهم إلى نحت تماثيل مجسمة ضخمة سمجة أو نقرها في صخور الجبال (٢). وكانت لغتهم تنتمي في أكثر ألفاظها إلى أسرة اللغات الهندوروبية؛ وقد حل رنزني رموزها من عهد قريب بدراسة الاثني عشر ألف لوح التي عثر عليها هيوجو ونكلر في بوغاز كوي، وهي في اشتقاقها وتصريفها شديدة الشبه باللغتين اللاتينية واليونانية، ومن كلماتها البسيطة ما هو ظاهر القرابة للكلمات الإنكليزية (٣) وكان للحيثيين خط تصويري يكتبونه بطريقتهم الخاصة العجيبة. إذ كانوا يكتبون سطراً من الشمال إلى اليمين، ثم يكتبون السطر الذي يليه من اليمين إلى الشمال، ثم من الشمال إلى اليمين وهكذا دواليك. وأخذوا الخط المسماري عن البابليين، وعلموا أهل كريت صنع الألواح الطينية ليكتبوا عليها؛ ويظهر


(١) في شرق نهر هاليس. وبالقرب منها على الضفة الأخرى من النهر تقع مدينة أنقرة عاصمة تركيا الحديثة، وهي ابنة أنقورة التي كانت في الأيام القديمة حاضرة فريجيا. وقد يكون مما يعيننا على رسم صورة ثقافية متناسبة الأبعاد أن ندرك أن الأتراك الذين نسميهم "مرعبين" يفخرون بقدم عاصمتهم ويرثون لحال أوربا التي يسيطر عليها البرابرة الكفرة. إن كل بقعة في العالم لتعد بلا جدال مركزاً له.
(٢) وقد كشف البارون فون أوبنهايم عند تل حلف وغيره من الأماكن كثيراً من تحف الحيثيين الفنية، وجمعها في متحفه، وهو مصنع مهجور في برلين. ويرجع كاشف هذه الآثار تاريخ معظمها إلى حوالي ١٢٠٠ ق. م ويرجع بعضها إلى الألف الرابع قبل الميلاد. وتحتوي هذه المجموعة طائفة من الآساد منحوتة في الحجر نحتاً ساذجاً ولكنه قوي، وتماثيل لثالوث الآلهة الحيثية- إله الشمس، وإله الجو، وهبات إشتار الحيثيين. وأعظم ما يروعنا من هذه التماثيل تمثال لأبي الهول قبيح المنظر، وضع أمامه وعاء من الحجر ليقرب فيه القربان.
(٣) انظر مثلا فادار Water إزا Eat، أوجا أنا I (وباللاتينية Ego) توج hee، فش we، مو me، كوش who (وباللاتينية quis) ، كوت what (باللاتينية quid) وغيرها (٣).