الدهر أصبح فيه تطبيق آراء أرسطو على الكتاب المقدس واستخدام المجاز والاستعارة في تفسيره استخداماً يبلغ حد الشعوذة، ورفض ما جاء فيه من القصص والقول بأنها غير صحيحة من الوجهة التاريخية، نقول أصبح هذا كله من الطراز الحديث. فقيل مثلاً إن قصة إبراهيم وسارت ليست إلا خرافة تمثل المادة والصورة، وإن قواعد الطقوس اليهودية ليس لها إلا عرض رمزي وحقيقة رمزية (٧٧). وبدا أن صرح الدين اليهودي كله يوشك أن ينهار على رأس أحبار اليهود. وقاوم بعضهم هذه النزعة مقاومة عنيفة: قاومها شمويل الفلسطيني، وأبراهام بن داود البسكوييري of Posqi (res، ومإير بن نادرس هليفي أبو العافية الطليطلي، ودون أستروك اللونلي Don Asteuc of Lunell، وسليمان بن أبراهام من يهود منبلييه، وجناح بن أبراهام جيروندي الأسباني، وكثيرون غيرهم. واحتج هؤلاء وأمثالهم على ما سموه "بيع الكتاب المقدس للإغريق"، وشنوا الغارة على المحاولة التي تهدف إلى إحلال الفلسفة محل التلمود، ونددوا بتشكك ابن ميمون في عقيدة الخلود، ورفضوا فكرته عن الإله غير المعروف وقالوا إنها تجديد مجازي لا يحرك أية نفس نحو التقي ولصلاح. وانضم أتباع القبلة الصوفية إلى المهاجمين ودنسوا قبر ابن ميمون (٧٨).
وفرقت الحروب الميمونية شمل الجماعات اليهودية في جنوبي فرنسا في الوقت الذي أخذت فيه المسيحية الصادقة تشن حرباً شعواء لا هوادة فيها على الزندقة الألبجنسية. وكما أن المسيحية الصادقة قد أخذت تدافع عن نفسها ضد العقلية، بتحريم كتب أرسطو وابن رشد في الجامعات، كذلك خطا الكوهن سليمان ابن أبراهام من يهود منبلييه خطوة لم تكن مألوفة من قبل فصب لعنته على كتب ابن ميمون الفلسفية وحرَّم من الدين كل اليهود الذين يدرسون العلوم والآداب النجسة،