بعضاً مدى قرن كامل دون انقطاع. وقاتل جستنين الثاني (٥٦٥ - ٥٧٨) الفرس الساعين إلى التوسع قتال الأبطال؛ ولم تكد الآلة تضن على تيبيريوس الثاني بكل ما لديها من الفضائل، ولكنها اختصرته بعد حكم عادل قصير. وهاجم موريق الآفار الغزاة بشجاعة ومهارة، ولكنه لم يلق من الأمة إلا قليلاً من التأييد، فقد كان آلاف من أبنائها يدخلون الأديرة فراراً من الخدمة العسكرية؛ ولما أن نهى الموريق الأديرة عن قبول أعضاء جدد فيها إلا بعد زوال الخطر عن الدولة نادى الرهبان بسقوطه. وتزعم قوقاس الذي عمر مائة عام ثورة قام بها الجيش والعامة على الأشراف والحكومة (٦٠٢)، وذبح أبناء موريق الخمسة أمام عينيه؛ وأبى الإمبراطور الشيخ على مربية أصغر أبنائه أن تنجيه من القتل بأن تستبدل ابنها هي به؛ فلما قطع رأسه علقت الرؤوس الستة لتتمتع بها أعين الشعب وألقيت جثثهم في البحر. وذبحت الإمبراطورة قسطنطينة، وبناتها الثلاث، وكثير من الأشراف، وكان مقتلهم مصحوباً في العادة بضروب من التعذيب، بعد محاكمة أو بغير محاكمة، فسملت أعينهم، واقتلعت ألسنتهم من أفواههم، وبترت أطرافهم، وارتكبت الفظائع التي تكررت فيما بعد أثناء الثورة الفرنسية.
وأفاد كسرى الثاني من هذا الاضطراب، وجدد الحرب القديمة حرب الفرس واليونان، وعقد قوقاس الصلح مع العرب، ونقل الجيش البيزنطي كله إلى آسية، ولكن الفرس هزموه في كل واقعة التقوا بها فيها، واستولى الآثار على جميع الأراضي الزراعية الواقعة خلف القسطنطينية إلا قليلاً منها، دون أن يلقوا مقاومة، واستغاث أشراف العاصمة بهرقل إمبراطور أفريقية اليوناني، ودعوه لينقذ الإمبراطورية وينجي أملاكهم. لكنه اعتذر محتجاً بكبر سنه، وأرسل إليهم ابنه. وجهز هرقل الأصغر عمارة بحرية، جاء بها إلى البسفور.