وخلع قوقاس، وعرض جثة للمغتصب المبتورة الأطراف أمام الشعب، ونودي به إمبراطوراً (٦١٠) ..
وكان هرقل خليقاً باسمه ولقبه، فقد شرع بعزيمة سميه الهرقل الأسطوري يعيد تنظيم الدولة المحطمة، وقضى عشر سنين يعمل لإحياء روح الشعب المعنوية، ويعيد قوة الجيش، وينظم موارد الخزنة، ووهب الأرض الزراع على شريطة أن يؤدي أكبر أبناء الأسرة الخدمة العسكرية. وفي هذه الأثناء استولى الفرس على أورشليم (٦١٤)، وتقدموا إلى خلقدون (٦١٥)؛ ولم ينقذ عاصمة الدولة وأوربا إلى الأسطول البيزنطي. ولم يمض بعد ذلك إلا قليل حتى زحفت جحافل الآفار على القرن الذهبي، وأغاروا على أرباض العاصمة، وقبضوا على آلاف من اليونان واتخذوهم أرقاء. وكانت نتيجة خسارة الأراضي الخصبة الواقعة خلف القسطنطينية مضافة إلى خسارة مصر أن انقطعت واردات الحبوب على المدينة، وأرغمت الحكومة على قطع إعانات الغذاء عن الأهلين (٦١٨)، وفكر في هرقل في يأس أن ينقل جيشه إلى قرطاجنة، وأن يأمل منها استرجاع مصر. ولكن الأهلين والقساوسة منعوه من المسير، ورضي البطريق سرجيوس أن يقرضه ثروة الكنيسة اليونانية بفائدة، ليمول بها حرباً مقدسة يستعيد بها أورشليم (٣). ولهذا تصالح هرقل مع الآفار ثم زحف آخر الأمر لقتال الفرس.
وكانت الحروب التي أعقبت هذا الزحف آيات في التفكير والتنفيذ. فقد واصل هرقل الحرب على أعدائه ست سنوات، هزم فيها كسرى عدة مرات، وحاصر في أثناء غيابه جيش من الفرس، وجحافل من الآفار، والبلغار والصقالبة مدينة القسطنطينية (٦٢٦)؛ فسير هرقل جيشاً هزم الفرس في خلقدون، ومزقت حامية العاصمة وعامتها بتحريض البطريق جحافل البرابرة. ودق هرقل أبواب طيسفون، وسقط كسرى الثاني، وطلبت فارس الصلح، وردت