كل ما كان كسرى قد استولى عليه من الإمبراطورية اليونانية، وعاد هرقل ظافراً إلى القسطنطينية بعد أن غاب عنها سبع سنين.
ولم يكن هرقل خليقاً بمصيره الذي جلله العار في سن الشيخوخة. فبينما هو يبذل ما بقي لديه من نشاط في إصلاح شئون الإدارة بعد أن هد المرض قواه إذا انقضت قبائل العرب على بلاد الشام (٦٣٤)، وهزمت جيشاً يونانياً منهوك القوى، واستولت على بيت المقدس (٦٣٨)، ثم استولت على مصر بينما كان الإمبراطور يعاني سكرات الموت (٦٤١). وكانت فارس وبيزنطية قد جرت كلتاهما الخراب على الأخرى بحروبها العوان. وواصل العرب انتصاراتهم في أيام قنسطانس Constans الثاني (٦٤٢ - ٦٦٨)؛ وظن قنسطانس أن لا نجاة للإمبراطورية، فقضى آخر سني حياته في الغرب ثم قتل في سرقوسة. وكان ابنه قسطنطين الرابع بجنونوتس Pognonotus أقدر منه أو أسعد حظاً. ولما أن حاول المسلمون مرة أخرى في خلال السنين الخمس الحاسمة (٦٧٣ - ٦٧٨) أن يستولوا على القسطنطينية أنقذت أوربا "التار الإغريقية" التي ورد ذكرها وقتئذ لأول مرة. وكان هذا السلاح الجديد، الذي يعزى اختراعه إلى كلسنيوس Calcinius السوري من نوع قاذفات اللهب المستخدمة في هذه الأيام، فهو مزيج حارق من النفط، والجير الحي، والكبريت، والزفت، يلقي على سفن العدو أو جيوشه في سهام ملتهبة، أو يصب عليها من أنابيب، أو يقذف في صورة كرات من الحديد مغطاة بالكتان ونسالته المغموسة في الزيت، أو يوضع في قوارب صغيرة وتشعل وتوجه إلى العدو. وأفلحت الحكومة البيزنطية في الاحتفاظ بسر هذا المزيج مدى قرنين من الزمان، وكان إفشاؤه يعد خيانة للوطن وإثماً دينياً؛ غير أن المسلمين كشفوا آخر الأمر هذا السر، واستخدموا "النار الإسلامية" في حرب الصليبيين. وظل هذا السلاح أكثر ما يتحدث عنه الناس في العصور الوسطى في العالم كله إلى أن اخترع البارود.