بسوء حالهم، وكثيراً ما حاولوا القيام بثورات لم يوفقوا فيها. وكان أصحاب الأعمال الذين يستخدمونهم يؤلفون من بينهم طبقة وسطى كبيرة العدد، محبة للكسب، متصدقة، مجدة، ذكية، محافظة أشد المحافظة. وانتظمت الصناعات الكبرى بصنَّاعها، وفنَّانيها، ومديريها، وتجارها، ومحاميها، ورجال مالها في جماعات نقابية-سستماتا Sytemata- تحدرت من الجماعات القديمة المعروفة بالكوليجيا والأرتيس، وتشبه الوحدات الاقتصادية الكبيرة في الدول الحديثة ذات الصناعات الجماعية. وكانت كل جماعة نقابية منها تحتكر عملاً من الأعمال يتفق مع تكوينها، ولكنها كانت مقيدة أشد التقييد بأنظمة خاصة بمشترياتها، وبأثمانها، وبأساليب صناعتها، وشروط البيع؛ وكان مفتشون حكوميون يراقبون أعمالها وحساباتها، وكانت القوانين في بعض الأحيان تحدد أقصى الأجور. أما الصناعات الصغرى فكانت تترك للصناع الأحرار وللنشاط الفردي. وقد أفادت الصناعة البيزنطية من هذا نظاماً، ورخاء، واتصالاً، ولكن نظامها حال دون الابتكار والاختراع، ومال بها إلى الجمود وركود الحياة (٢٠).
وكانت الحكومة تشجع التجارة بتعضيدها، وبمراقبة الأهوسة، والموانئ وتنظيم التأمينات والقروض بضمان السفن، وتشن حرباً شعواء على القرصنة، وكانت العملة البيزنطية أكثر عملات أوربا ثباتاً. وكان للحكومة البيزنطية إشراف واسع شامل متغلغل في جميع الأعمال التجارية-فكانت تحرم تصدير بعض المواد والسلع، وتحتكر تجارة الحبوب والحرير، وتفرض عوائد على الصادرات والواردات، وضرائب على المبيعات (٢١). وكادت هي تدعو غيرها من الدول إلى أن تحل محلها في سيادتها التجارية القديمة على بحر إيجة والبحر الأسود بسماحها إلى التجار الأجانب-الأرمن، والسوريين، والمصريين، والأملفيين والبيزيين، والبنادقة، والجنويين، واليهود، والروس، والقطلانيين-بنقل