كلها أدراج الرياح، ذلك أن من بقوا من الزراع الأحرار مدفوعين بغريزة التملك قد غطوا الأرض بالمزارع، والبساتين، والكروم، والمناحل، والمراعي، ونشأت في ضياع كبار الملاك الزراعة العلمية إلى أقصى ما وصلت إليه في العصور الوسطى، وكان تقدم الزراعة البيزنطية بين القرن الثمن والقرن الحادي عشر يضارع تقدم الصناعة في تلك البلاد.
واصطبغت الإمبراطورية الشرقية في ذلك العصر بصبغة حضرية نصف صناعية تختلف كل الاختلاف عن الصبغة الريفية الغالبة على أوربا اللاتينية الواقعة في شمال جبال الألب، فكان عمال المناجم وصناع المعادن يعملون بجد في الكشف عن مناجم الرصاص؛ والحديد، والنحاس، والذهب واستغلالها. وكانت القسطنطينية ومائة مدينة غيرها-أزمير، وطرسوس، وإفسوس، ودورزو، وراجوسا، وبتراس، وكورنثة، وطيبة، وسلانيك، وهدريانوبل، وهرقلية، وسليميريا-تترد فيها أصوات دابغي الجلود، وصانعي الأحذية، والسروج، والأسلحة، والصياغ، وصناع الحلي، وطارق المعادن، والنجارين، والحفارين على الخشب، وصانعي العجلات، والخبازين، والصباغين، والنساجين، والفخرانيين، وصانعي الفسيفساء، والنقاشين. وكانت القسطنطينية، وبغداد، وقرطبة، في القرن التاسع مراكز للصناعة والتبادل التجاري تكاد تضارع في سرعة حركتها وجنونها أي حاضرة من الحواضر في هذه الأيام. وظلت العاصمة اليونانية، بالرغم من المنافسة الفارسية تتزعم العالم الأبيض في إنتاج المنسوجات الرفيعة والحريرية ويليها في هذا أرجوس، وكورنثة، وطيبة. ونظمت صناعة النسيج أحسن تنظيم، وكانت تستخدم كثيراً من العبيد، أما غيرها من الصناعات فكانت تستخدم صناعاً أحراراً. وكان صعاليك القسطنطينية وسلانيك يحسون