للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

البحر المتوسط بل كان سبب وحدتهم الشئون التجارية ومطالبها. ولسنا نجد خيراً من هذه المطالب مثالاً يوضح ما بين التجارة والثقافة من رابطة منتجة ومثمرة. كما أننا لا نعلم علم اليقين أن الفينيقيين هم الذين أدخلوا هذه الحروف الهجائية إلى بلاد اليونان، وإن كانت الرواية اليونانية تؤكد هذا بالإجماع (٣١)؛ وليس ببعيد أن تكون كريت هي التي أمدت الفينيقيين واليونان (٣٢) كليهما بالحروف الهجائية، ولكن المرجح أن الفينيقيين أخذوا الحروف الهجائية من حيث أخذوا البردي. وإنا لنجدهم في عام ١١٠٠ ق. م يستوردون البردي من مصر (٣٣). وكان هذا النبات ذا فائدة لا تقدر للأمة التي تعنى بحفظ السجلات الحسابية ونقلها من مكان إلى مكان. وذلك لما فيه من اليسر إذا وُوُزن بالألواح الطينية الثقيلة التي كانت تستخدم في أرض الجزيرة. كذلك كانت الحروف الهجائية المصرية أرقى كثيراً من المقاطع السمجة المستخدمة في غير مصر من بلاد الشرق الأدنى. وحسبنا أن نذكر عن هذه الحروف أن حيرام ملك صور وهب أحد آلهته في عام ٩٦٠ ق. م كوباً من البرنز عليه نقش بالحروف الهجائية (٣٤)، وأن ميشا ملك مؤاب أراد في عام ٤٨٠ ق. م أن يخلد مجده فنقش على حجر في متحف اللوفر الآن نقشا بإحدى اللهجات السامية مكتوب من اليمين إلى اليسار بحروف شبيهة بالحروف الفينيقية. وقد قلب اليونان اتجاه بعض الحروف لأنهم كانوا يكتبون من اليسار إلى اليمين، ولكن حروفهم في جوهرها هي الحروف التي علمهم إياها الفينيقيون، والتي علموها هم أوربا. وهذه الرموز العجيبة هي بلا جدال أثمن ما ورثته الحضارة عن الأمم القديمة.

على أن أقدم ما كشف من كتابات الحروف الهجائية لم يكشف في فينيقية بل في سيناء. فقد عثر سيروليم فلندرز بيترى في سراية الخادم - وهي قرية صغيرة في موضع كان المصريون الأقدمون يستخرجون منه الفيروز - على نقوش بلغة عجيبة يرجع عهدها إلى تاريخ غير معروف على وجه التحقيق، ولعله يرجع إلى