وكان للفينيقيين آلهة كثيرة شأنهم في ذلك شأن كل أمة تشعر بالتيارات العالمية المعقدة. فكان لكل مدينة بعلها (أي سيدها) أو إلهها الخاص، وهو في اعتقاد أهلها جد ملوكها، ومخصب أرضها؛ فكانت الحبوب، والخمور، والتين والكتان كلها من عمل بعل المقدس. وكان بعل صور يسمى ماكراث؛ وكان كهرقول - الذي قال اليونان أنه صورة أخرى منه - إله القوة والبطولة قام بأعمال شبيهة بأعمال منشهوزن. وكانت عشتورت (إستارتي) الاسم الفينيقي لإشتار- ومن خصائصها أنها كانت تُعبد في بعض الأماكن على أنها إلهة الطُّهر، وفي أماكن أخرى على أنها إلهة الفجور والحب الشهواني؛ وقد جعلها اليونان في هذه الصفة الأخيرة صورة من إلهتهم أفروديت. وكما كانت إشتار - ميلتا تتقبل بكارى عابداتها من البنات في بابل، كذلك كانت النساء اللاتي يعبدن عشتورت في ببلوس يقدمن لها غدائرهن أو يستسلمن لأول غريب يعرض عليهن حبه في جوار الهياكل. وكما أحبت إشتار تموز، كذلك أحبت عشتورت أدني (أي الرب)؛ وكان يحتفل في ببلوس، وباثوس (في قبرص) كل عام بمقتله على أنياب خنزير بري بالنحيب وضرب الصدور. وكان من حسن حظ أدني أنه يقوم من بين الأموات كلما فارق الحياة، ويصعد إلى السماء على مشهد من عُبَّاده (٢٩). وكان من آلهتهم أيضا مولوخ (أي الملك)، وهو الإله الرهيب، وكان الفينيقيون يتقربون له بأطفالهم ويحرقونهم أحياء أمام ضريحه. وقد حدث في قرطاجنة أثناء حصارها (٣٠٧ ق. م) أن أُحرق على مذبح هذا الإله الغاضب مائتا غلام من أبناء أرقى أسرها (٣٠).
ولكن الفينيقيين رغم هذا جديرون بأن تكون لهم مشكاة صغيرة في محراب الأمم المتحضرة، ذلك أن تجارهم في أغلب الظن هم الذين علموا الأمم القديمة الحروف الهجائية المصرية، وإن لم يكن الهيام بالأدب هو الذي وحد شعوب