للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

في البلاد، فكان خصب التربة يرمز له في سوريا كما كان يرمز له في بلاد آسية الغربية كلها بأم عظيمة أو إلهة اتصالها الجنسي بعشيقها هو الذي يوحي إلى جميع جهود الطبيعة وعملياتها الإنتاجية. ولم تكن التضحية بالبكارة في الهياكل عملاً يتقرب به إلى عشتورت وحسب، بل كان فوق ذلك مشاركة لها في التهتك الذي يرجى منه أن يوحي إلى الأرض إيحاء قوياً لا تستطيع مقاومته، وأن يضمن تكاثر النبات والحيوان والإنسان (٣٩). وكان عيد عشتورت السورية كعيد سيبيل في أفريجيا يحتفل به في هيرابوليس حوالي الاعتدال الربيعي بحرارة تكاد تبلغ حد الجنون. فكانت نغمات الناي ودق الطبول تمتزج بعويل النساء على أدني سيد عشتورت الميت. وكان الكهنة الخصيان يرقصون رقصاً عاصفاً عجاجاً ويضربون أجسامهم بالسكاكين. وفي آخر الأمر كانت الحماسة تغلب الكثيرين من الرجال الذين لم يأتوا إلى الحفل إلا ليشاهدوه، فيخلعون ثيابهم ويخصون أنفسهم ليهبوا أنفسهم طول حياتهم لخدمة الإلهة، فإذا جن الليل جاء الكهنة إلى المكان بنور خفي مجهول، وفتحوا قبر الإله الشاب ونادوا نداء الظافرين أن أدني - الإله - قد قام من بين الأموات، ثم مسوا شفاه عُبَّاده ببلسم في أيديهم وأسروا إليهم وعدهم بأنهم هم أيضا سيقومون من قبورهم في يوم من الأيام (٤٠).

ولم يكن آلهة سوريا الآخرون أقل تعطشاً للدماء من عشتورت. نعم إن الكهنة كانوا يعترفون بإله عام يضم في شخصه جميع الآلهة ويسمونه إِليِ أو إِلو كإلوهيم اليهود، ولكن الشعب لم يكن يلقي بالاً إلى هذا التجريد المعنوي الهادئ، وكان معبوده بعلاً. وقد جرت عادتهم على أن يوحدوا بين إله المدينة هذا وبين الشمس، كما كانوا يوحدون بين عشتورت والقمر؛ وكانوا إذا حل بهم أمر جلل يضحون بأطفالهم قرباناً له، كما كان يفعل الفينيقيون؛ فكان الآباء يأتون إلى الحفل وقد أخذوا زينتهم كأنهم في يوم عيد، وكانت دقات الطبول