للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأصوات المزامير تغطي على صراخ أطفالهم وهم يحترقون في حجر الإله. على أنهم كانوا عادة يكتفون بتضحيات أقل من هذه وحشية، فكان القساوسة يضربون أنفسهم حتى تلطخ المذبح دماؤهم؛ أو تفتدي حياة الطفل بغلفته؛ أو ينزل القساوسة من عليائهم فيقبلون مبلغاً من المال يقدمونه للإله بدل الغلفة. لقد كان من الواجب أن يسترضي الإله بطريقة ما حتى يرضى؛ لأن عباده قد جعلوه صورة من أنفسهم، وحلماً من أحلامهم، ولم يكن يعنى بحياة البشر أو يأبه بعويل النساء (٤١).

وكانت القبائل السامية الضاربة في جنوب سوريا والتي كانت تملأ الأرض باضطرابها ولغاتها، تمارس عادات شبيهة بهذه العادات نفسها، ولا تختلف عنها إلا في أسمائها وتفاصيلها. ولقد حرم على اليهود أن "يجعلوا أطفالهم يمرون من خلال النار"، ولكنهم كانوا رغم هذا يفعلون هذه الفعلة (٤٢)، ولم يكن إبراهيم وهو يوشك أن يضحي بإسحق (١) أو أجمنون وهو يضحي بإفجينيا إلا متبعين سنة قديمة كان أصحابها يحاولون بها أن يسترضوا الآلهة بالدماء البشرية. وقد ضحى ميشا ملك مؤاب بابنه الأكبر فحرقه بالنار ليفك عن مدينته الحصار؛ ولما أجاب ربه دعاءه وقبل دماء ابنه، ذبح سبعة آلا ف من بني إسرائيل شكراً لله على نعمته (٤٣). وظل وادي نهر الأردن الذي يخترق هذا الإقليم مذ كان العموريون في عهد السومريين يجوبون سهول أمرو (حوالي عام ٢٨٠٠ ق. م) إلى أيام اليهود حين صبوا جام غضبهم المقدس على الكنعانيين، وحين استولى سرجون ملك أشور على السامرة، ونبوخد نصر على أورشليم (في عام ٥٩٧ ق. م)، نقول ظل وادي نهر الأردن ترويه دماء الضحايا البشرية التي لها قلوب كثيرين من الأرباب. وليس من اليسير أن ندخل هؤلاء المؤابيين، والكنعانيين، والعموريين، والإدميين، والفلسطينيين، والآراميين في سجل البشرية الثقافي.


(١) الذي يؤمن به المسلمون أن الذبيح إسماعيل لا إسحق. (المترجم)