أو يحلبن الأبقار؛ وكان الرجال يغنون وهم يفلحون الأرض أو يسيرون إلى ميدان القتال؛ والمبشرون يعزفون على القيثارة ليجمعوا حولهم مستمعيهم، وكانت أحب الآلات الموسيقية هي القيثارة، وكانت تتألف عادة من ستين وتراً يعزف عليها بالأنامل، وكانت التمبان timpan كماناً ذات سبعة أوتار تضرب بالريشة أو القوس؛ وكانت آلات موسيقى القرب تعلق في الكتف وتنفخ بالفم؛ ووصف جيرالدس كمبرنسس Giraldus Cambrensis (١١٨٥) العازفين الأيرلنديين على القيثارة بأنهم أحسن من سمع من العازفين، وهو إطراء عظيم القيمة لصدوره من ويلز المحبة للموسيقى.
وليس أجمل ما أثمره الفن الأيرلندي في ذلك العصر كأس أرداع Ardagh الذائعة الصيت (حوالي عام ١٠٠٠) التي اجتمعت فيها ٣٥٤ قطعة من الفضة، والذهب، والكهرمان، والبلور، والميناء المقسمة، والزجاج بل إن أجمل منها "كتاب كلز Book of Kells وهو يحتوي الأناجيل الأربعة مخطوطة في القرن التاسع على الرق بأيدي ربان أيرلنديين في بلدة كاز من أعمال ميث Mcath أو في جزيرة أيونا Iona وهو الآن من أعظم ما تمتلكه كلية ترنتي Trinity College بدبلن. وجاء طراز تزيين الكتب البيزنطي والإسلامي إلى أيرلندة عن طريق الاتصال البطيء بين الرهبان بعضهم ببعض مخترقين الحدود، وبلغ فيها درجة الكمال في فترة قصيرة من الوقت. ولم يكن لصور الإنسان والحيوان في تزيين الكتب بأيرلندة إلا شأن ضئيل، مثله في هذا كمثل الفن عند المسلمين، فقد كانوا يرون أن إنساناً أو حيواناً مهما بلغ لا يساوي نصف الحرف الأول. وكانت الروح السارية في هذا الفن هي أن يؤخذ حرف من الحروف أو شكل زخرفي واحد، ويمد فوق أرضية زرقاء أو ذهبية اللون بشكل فكه مبهج حتى يكاد يغطي الصفحة بتمامها في نسيج متشابك أشبه بالمتاهة. وليس في المخطوطات المسيحية المزخرفة ما يفوق كتاب كلز هذا، ويصفه