وتقول هي إن الغرض الذي كانت ترمي إليه من كتابتها هو "أن تجعل الهبة الصغيرة التي حباها بها الله، تخرج بدافع الإخلاص صوتاً ضئيلاً تحمد به الله"(٨٧). وتقول إنه يحزنها ما في المسالي اللاتينية من بذاءة وثنية، وإنها تحب أن تعرض على القرّاء بدلاً منها مسالي مسيحية؛ ولكن مسرحياتها نفسها تدور حول حب دنس لا يكاد يخفي ما ينطوي عليه من شهوة جثمانية. وخير مسرحياتها القصيرة وهي مسرحية أبراهام، وفيها يغادر ناسك مسيحي صومعته ليعني بابنة أخ له يتيمة. ثم تفر الفتاة مع شخص أغواها لا يلبث أن يهجرها، فتصبح من العاهرات. ويقتفي أبراهام أثرها، ويدخل عليها حجرتها متخفياً، وتقبله، فتعرفه، وترتد عنه في خجل، ويدور بينهما حوار شعري رقيق يقنعها به أن تقلع عن حياة الرذيلة وتعود معه إلى بيتهما. ولسنا نعرف هل مثلت هذه المسرحيات القصيرة أو لم تمثل، ذلك أن المسرحيات الحديثة لم تكن صدى لمسرحيات ترنس وأمثالها، بل نشأت من حفلات الكنيسة "وطقوسها الخفية" بعد أن امتزجت بها "مساخر" الممثلين الجائلين الصامتة.
ولم تكن الكنيسة موطناً للشعر، والتمثيل، وكتابة التاريخ فحسب، بل إنها فوق ذلك أمدت الفن بالموضوعات والمال. فقد تأثر الرهبان الألمان بالمثل البيزنطية والكارولنجية، وشجعتهم مناصرة الأميرات الألمانيات فأخرجوا في ذلك العصر عشرات العشرات من المخطوطات المزخرفة ذات الجمال الممتاز ويكاد برنولد Bernewald الذي كان أسقف هلدسهايم من ٩٩٣ إلى ١٠٢٢ أن يكون في حد ذاته خلاصة لثقافة ذلك العصر: فقد كان مصوراً، وخطّاطاً، وصانعاً للمعادن والفسيفساء، وحاكماً إدارياً، وقديساً. وقد جعل المدينة التي يعيش فيها مركزاً للفنون بمن جمع فيها من الفنانين على اختلاف أنواعهم ومواهبهم. وبفضل معونتهم، ويد الصناع أخرج صلباناً محلاة بالجواهر، وماثلات من الذهب والفضة منقوشة عليها صورة لحيوان والنبات، وكأساً من كؤوس القربان