يقرأ القارئ عن الحجارة الضخمة يحركها الناس بصلواتهم، وعن قديس يستطيع أن يتخفى عن أعين الخلق، وعن سموم تصبح عديمة الضرر بفعل علامة الصليب، وعن أطعمة تنزل وتتكاثر بفعل المعجزات. وعن مرضى يشفون من أمراضهم وأموات يعودون إلى الحياة. ويتكرر في هذه المحاورات ذكر المخلفات وما لها من قوة، ولكن أعجب ما فيها ما يذكره عن السلاسل التي قيل إن بطرس وبولس قد قيدا بها؛ وكان جريجوري يحرص على ذكر هذه السلاسل ويمجدها إلى حد العبادة، ويهدي برادة منها إلى أصدقائه؛ وقد كتب مع هدية من هذا النوع إلى صديق مصاب بالرمد:"احرص على أن تضع هذه فوق عينيك باستمرار، لأن هذه الهدية بعينها قد أتت بكثير من المعجزات"(١٧). وقصارى القول أن مسيحية الجماهير قد استحوذت على عقل البابا العظيم وقلمه.
وكانت أعظم محاضراته في ميدان الدين هي كتابه Manga Moralla- وهو شرح لسِفر أيوب في ستة مجلدات. وهو يروي هذه المسيحية على أنها تاريخ حقيقي في كل سطر من سطوره، ولكنه بالإضافة إلى هذا يبحث في كل سطر عن معنى مجازي أو رمزي، ويختمها بقوله إنه يجد في سِفر أيوب جميع آراء أوغسطين الدينية. ويعتقد أن الكتاب المقدس هو كلمات الله بكل ما لهذا التعبير من معان، وأنه في حد ذاته نظام كامل من الحكمة والجمال، وأن على كل إنسان أن لا يضيع وقته ويفسد أخلاقه بقراءة الكتب الوثنية اليونانية والرومانية القديمة. على أن بعض آيات الكتاب المقدس في رأيها يكتنفها الغموض، وأنها كثيراً ما تصاغ في لغة شعبية تصويرية، ولهذا فهي في حاجة إلى أن تعني بتفسيرها عقول مدربة، والكنيسة وهي الأمينة على التقاليد المقدسة هي وحدها التي يحق لها أن تقوم بهذا التفسير والعقل الفردي أداة ضيقة مولعة بالتقسيم، لم توجد لتعالج الحقائق التي تسمو على الحواس، وإذا ما حاول العقل أن يدرك ما هو فوق مداركنا،