خسر كل شيء حتى ما يستطيع فهمه". وليس في مقدور أفهامنا أن تعرف الله، وكل ما في وسعنا أن نقول إنه ليس كذا وكذا ولكننا لا نستطيع أن نقول ما هو، و "يكاد كل ما يقال عن الله يكون غير خليق به لمجرد أنه يمكن أن يقال عنه" (١٩) ولهذا لا يحاول جريجوري محاولة صريحة أن يثبت وجود الله، ولكنه يقول إن في وسعنا أن نشير إلى جودة بالتفكير في النفس البشرية: أليست هي القوة الحية وهادية الجسم؟ ثم يقول جريجوري: "وكثيراً ما رأى عدد كبير من الناس … في هذه الأيام أرواحاً تفارق أجسامها" (٢٠). ومأساة الإنسان الكبرى هي أنه قد أفسدت فطرته بتأثير الخطيئة الأولى، فمالت به إلى الشر، وهذا التكوين الروحي الفاسد الأساس ينتقل من الوالد إلى الولد بفعل التناسل الجنسي، فإذا ما ترك الإنسان وشأنه أضاف ذنباً إلى ذنب واستحق بذلك العذاب الدائم. وليست النار اسماً على غير مسمى، بل هي هوة سحيقة تحت الأرض مظلمة لا قرار لها وجدت من يوم أن خلق العالم. وهي نار لا ينطفئ لظاها مجسمة، ولكن في مقدورها رغم ذلك أن تطهر الأرواح والأجسام؛ وهي أبدية ولكنها لا تفنى المذنبين أو تنقص من إحساسهم بالألم، ويضاف إلى آلامهم في كل لحظة يقضونها متألمين رعبهم مما ينتظرونه من آلام مقبلة، ومن مشاهدة ما يلاقيه أحباؤهم المذنبون من هول العذاب، ويأسهم من النجاة، أو من السماح لهم بالفناء (٢١). وأوضح جريجوري بطريقة أقل إرهاباً من هذه الطريقة قول أوغسطين عن المطهر الذي يتم فيه الموتى التكفير عن ذنوبهم التي عفا الله عنها. وهنا يفعل جريجوري ما يفعله أوغسطين فيطمئن أولئك الذين روعهم بتذكيرهم بنعمة الله وفضله، وشفاعة القديسين وثمار تضحية المسيح نفسه، وما للقاء الرباني من قوة خفية عجيبة في نجاتهم، وهي قوة في متناول جميع التائبين المسيحيين.
ولعل تعاليم جريجوري الدينية تنعكس عليها صحتها المعتلة كما تنعكس عليها فوضى زمانه. فأما صحته المعتلة فقد كتب عنها في عام ٥٩٩ يقول "قضيت أحد