وثيق. وفرض الملك هارولد بلوتوث (صاحب الناب الأزرق) الدين المسيحي على الدنمرقة (٩٧٤)، ليكون جزءاً من الثمن الذي طلبه الإمبراطور أتو الثاني للصلح. وانحاز بوريس Boris ملك بلغاريا إلى جانب الكنيسة اليونانية (٨٦٤) بعد أن ظل يداعب البابوية وقتاً ما، وكان انضمامه إليها لرغبته في الاحتماء بها من توسع ألمانيا، وجعل فلاديمير Vladimir الأول روسيا بلاداً مسيحية (٩٨٨) ليستطيع الزواج بأنا Anna أخت بازيل الثاني إمبراطور الروم، وليحصل على جزء من بلاد القرم بائنة لها (٤٢) وظلت الكنيسة الروسية قرنين من الزمان تعترف بسلطان بطرق القسطنطينية، ثم أعلنت استقلالها عنه في القرن الثالث عشر، وأضحت الكنيسة الروسية بعد سقوط الإمبراطورية الشرقية (١٤٥٣) ذلك الشأن الأكبر في العالم الأرثوذكسي اليوناني.
وكان الجنود المظفرون في هذا الفتح المسيحي لأوربا هم الرهبان، كما كانت الراهبات هن الممرضات في هذه الحرب الدينية. ذلك أن الرهبان قد عاونوا الزراع على استصلاح الأراضي البور وزراعتها، وتقطيع أشجار الغابات وتنظيف الأرض من الأعشاب، وتجفيف المستنقعات، وإقامة الجسور على الجداول، وشق الطرق، ولقد أقاموا في البلاد مراكز للصناعة، وأنشئوا المدارس، ونظموا الصدقات، ونسخوا المخطوطات وجمعوا مكتبات متواضعة، وبثوا النظام الأخلاقي وروح الشجاعة والطمأنينة في نفوس الحائرين الذين انتزعوا من عاداتهم وشعائرهم أو بيوتهم القديمة. وكان بندكت الأنياني يكدح، ويحفر، ويحصد بين رهبانه، كما ظل الراهب ثيودولف يسوق المحراث بالقرب من ريمس مدى اثنين وعشرين عاماً، وقد بلغ من إخلاصه في هذا العمل أن احتفظ بعد وفاته بهذا المحراث وكان موضعاً للإكبار والإجلال.
وكان الرهبان والراهبات يعودون إلى فطرتهم البشرية بين آونة وأخرى بعد أن يبقوا زمناً طويلاً مثلاً عليا للفضيلة، والخشوع، والجد، وكان لا بد من قيام